وهذا هو التسريح بالمعروف الذي أمر به كتاب الله إذ قال: {فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ فَارِقُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ وَأَقِيمُوا الشَّهَادَةَ لِلَّهِ ذَلِكُمْ يُوعَظُ بِهِ مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ} (الطلاق: 2).

وهو فراق تأخذ فيه الزوجة حقها كاملًا، محاطة بالعناية والرعاية دون تجريح أو إساءة؛ حتى لا يكون الطلاق معول هدم ينشر العداوة بين الأسر، ويفكك أواصر المجتمع، ومن حق الزوجة أن تجعل عصمة الزواج بيدها، وأن تشترط هذا في أثناء العقد، ولها أيضًا أن تطلب فسخ العقد إذا أبى زوجها تطليقها مضارة وتضييقًا، وهو ما يعرف بالخلع، فتفتدي نفسها بما أخذته منه من مال، كما قال تعالى: {وَلَا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَأْخُذُوا مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئًا إِلَّا أَنْ يَخَافَا أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلَا تَعْتَدُوهَا وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ} (البقرة: 229).

وهذا هو الطريق الذي جعله كتاب الله منهجًا يقوم به مجتمع الإسلام، إذ جعل الطلاق حيلة مَن لا حيلة له، وعَدّه مِن أبغض الحلال إلى الله، ولعن الله كل ذواق مطلاق وكل مزواج مطلاق، وجعله بعد أن استنفد كل وسائل العلاج والإصلاح بين الزوجين كما رأينا، وحتى بعد أن وقع لم يجعله نهاية للحياة الزوجية، إنما اعتبره مؤقتًا موقوتًا بزمن، ووضع له من الشروط، وسَنّ له من طرق الترغيب في الرجوع عنه، وإزالة أسبابه، ما يجعله في أضيق الحدود.

ولم يجعله للزوج وحده يتحكم في زوجته، إنما جعل لها هذا إن اشترطته وأقر لها نظام المخالعة حتى لا تنطوي القلوب على البغضاء والعداء.

والطلاق بهذه الصفة علاج لأمراض المجتمعات، وميزة للشريعة الإسلامية. يقول بنتام في أصول الشرائع ساخرًا مِن حظر الطلاق: "إن القانون يتدخل بين

طور بواسطة نورين ميديا © 2015