{هَذَا يَوْمُ يَنْفَعُ الصَّادِقِينَ صِدْقُهُمْ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ} (المائدة: 119) الآية، {لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ} فأنت ترى أن الله منحهم جنات، وليست جنة واحدة، وفي حديث الإمام البخاري عن أنس قال: ((أصيب حارثة يوم بدر وهو غلام، فجاءت أمه إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- فقالت: يا رسول الله قد عرفت منزلة حارثة مني، فإن يك في الجنة أصبر وأحتسب، وإن تكن الأخرى ترى ما أصنع، فقال: ويحك أوجنة واحدة هي، إنها جنان كثيرة، وإنه لفي جنة الفردوس))، ومن طريق قتادة: ((وإن ابنك أصاب الفردوس الأعلى)) إنها جنان كثيرة، وفي كل جنة ما لا عين رأت ولا أذنت سمعت ولا خطر على قلب بشر. وهي جنات يصفها الله -سبحانه وتعالى- بأنها تجري من تحتها الأنهار، فيها أنهار جارية، وقوله {مِنْ تَحْتِهَا} يشير إلى منازل أهل الجنة العالية، وأنهم في قصور قال تعالى: {لَهُمْ غُرَفٌ مِنْ فَوْقِهَا غُرَفٌ مَبْنِيَّةٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ وَعْدَ اللَّهِ لَا يُخْلِفُ اللَّهُ الْمِيعَادَ} (الزمر: 20).
وفي الحديث المتفق عليه عن أبي سعيد الخدري -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم-: ((إن أهل الجنة لا يتراءون أهل الغرف من فوقكم، كما يتراءون الكوكب الدري الغابر في الأفق -أي: الكوكب المضيء الذاهب بعيدًا في السماء من المشرق أو المغرب لتفاضل ما بينهم- قالوا: يا رسول الله تلك منازل الأنبياء لا يبلغها غيرهم. قال: بلى والذي نفسي بيده رجال آمنوا بالله وصدّقوا المرسلين)) وإذا كانت الأنهار تجري من تحت تلك القصور، فهي بلا شك أيضًا تجري بين الأشجار، وهي أنهار وليست نهرًا واحدًا؛ قال تعالى: {مَثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ فِيهَا أَنْهَارٌ مِنْ مَاءٍ غَيْرِ آسِنٍ وَأَنْهَارٌ مِنْ لَبَنٍ لَمْ يَتَغَيَّرْ طَعْمُهُ وَأَنْهَارٌ مِنْ خَمْرٍ لَذَّةٍ لِلشَّارِبِينَ وَأَنْهَارٌ مِنْ عَسَلٍ مُصَفًّى وَلَهُمْ فِيهَا مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ وَمَغْفِرَةٌ مِنْ رَبِّهِمْ} (محمد: 15).