المخلوقات وأسرارهم، وكا ذلك مؤد إلى الرقابة الإلهية والتصرف التام بكل شيء.
ثم أمر الله نبيه المبلّغ شرعه أمرا بما لزم عما سبق وبما هو نتيجة له، فقال له: قل يا محمد: لا أتخذ وليا ناصرا ينفعني أو يدفع ضررا عني إلا الله وحده لا شريك له، فإنه فاطر السموات والأرض، أي خالقهما ومبدعهما على غير مثال سابق، وهذا مثل قوله تعالى: قُلْ: أَفَغَيْرَ اللَّهِ تَأْمُرُونِّي أَعْبُدُ أَيُّهَا الْجاهِلُونَ [الزمر 39/ 64] .
وأما خلق السموات والأرض فكانتا أولا كتلة دخانية واحدة، ثم فصلتا، وهذا فيه أيضا فطر وشق، قال تعالى: أَوَلَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ كانَتا رَتْقاً فَفَتَقْناهُما [الأنبياء 21/ 30] .
وإن الله أيضا هو الذي يطعم ولا يطعم أي وهو الرزاق لخلقه من غير احتياج إليهم، لأنه تعالى منزّه عن الحاجة إلى كل ما سواه، كما قال تعالى: وَما خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ، ما أُرِيدُ مِنْهُمْ مِنْ رِزْقٍ وَما أُرِيدُ أَنْ يُطْعِمُونِ، إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ [الذاريات 51/ 56- 58] .
وفي هذه دلالة واضحة ترشد البشر إلى أنه يجب عليهم التماس الرزق من الله تعالى وحده، مع اتخاذ الأسباب الموصلة إليه من السعي والعمل والتدبير والبحث والتنقيب، لا من أي مخلوق سواه، سواء أكان بشرا أم صنما ووثنا، وسواء أكان البشر حاكما أم غير حاكم، فأرزاق العباد بيد الله تعالى وحده.
وإذ قامت لك يا محمد ولغيرك الأدلة على من يستحق الألوهية والعبادة واتخاذه وليا، فقل لهم: إني أمرت من ربي المتصف بهذه الصفات أن أكون أول من أسلم وخضع وذلّ وانقاد لله من هذه الأمة، ونهيت عن الشرك بالله أيا كان نوع الشرك، ومنه شرك الجاهلية القائم على اتخاذ الأصنام واسطة ووسيلة تقرب إلى الله زلفى.