بالعباد، ولولا خوف العذاب يوم القيامة، لامتلأت الدنيا فسادا وفوضى وإجراما، ولضجّ العالم، واختل نظام المجتمع، فصار التهديد بهذا اليوم من مظاهر الرحمة.
ثبت في الصحيحين عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال النّبي صلّى الله عليه وسلّم: «إن الله لما خلق الخلق، كتب كتابا عنده فوق العرش: إن رحمتي تغلب غضبي»
أي لما أظهر قضاءه، وأبرزه لمن شاء، أظهر كتابا في اللوح المحفوظ أو فيما شاءه، مقتضاه خبر حق ووعد صدق أن رحمته تسبق غضبه وتزيد عليه.
وأخص الذين خسروا أنفسهم بإفسادها وتعطيلها استخدام العقل والعلم وعدم اهتدائها بالتذكير، كما أخصهم بالذم والتوبيخ من بين المجموعين إلى يوم القيامة وسبب الخسارة: أنهم لا يؤمنون، أي لا يصدقون بالبعث والمعاد، ولا يخافون شر ذلك اليوم. هذا هو الواقع، لكن قوله تعالى جعل عدم إيمانهم مسببا عن خسرانهم أنفسهم، والأمر على العكس.
والجواب كما ذكر الزمخشري: معناه الذين خسروا أنفسهم في علم الله لاختيارهم الكفر، فهم لا يؤمنون.
وليس ملك السموات والأرض مجرد ملك فراغ، وإنما هو ملك شامل لكل شيء فيهما من ساكن ومتحرك، الجميع عباده وخلقه وتحت قهره وتصرفه وتدبيره، لا إله إلا هو. وخص بالذكر ما سكن بالليل والنهار وإن كان داخلا في عموم ما في السموات والأرض، للدلالة على تصرفه تعالى بهذه الخفايا.
ثم إن كان ما في السموات والأرض خاضع لرقابة الله وتصرفه، فهو السميع المحيط سمعه بكل دقيق وكبير، يسمع دبيب النملة السوداء في الليلة الظلماء، على الصخرة الصماء، وهو أيضا العليم المحيط علمه بكل ما دقّ وعظم، والشامل سمعه كل مسموع كأقوال عباده وأصواتهم. والذي وسع علمه كل معلوم كحركات