والغرض من هذا وعظ أهل مكّة وتحذيرهم أن يصيبهم من العذاب والنّكال الدّنيوي ما حلّ بأشباههم ونظرائهم من القرون السّالفة، الذين كانوا أشدّ منهم قوّة وأكثر جمعا، وأكثر أموالا وأولادا، واستعلاء في الأرض وعمارة لها.
موقف الكفار من دعوات الأنبياء للإصلاح يتميّز بالإعراض والعناد، ويهمل العقل والفكر، ويقوم على التّهكّم والاستهزاء، وهذا ليس من سمات الرّجال العقلاء الذين يعتمدون على تقليد الأسلاف بدون رويّة ولا تفكّر.
من مظاهر هذا الموقف: تركهم النظر في الآيات التي يجب أن يستدلّوا بها على توحيد الله جلّ وعزّ من خلق السّموات والأرض وما بينهما، سواء أكانت الآية قرآنية، أم معجزة من معجزات النّبي صلّى الله عليه وسلّم التي أيّده الله بها، ليستدلّ بها على صدقه في جميع ما أتى به، كانشقاق القمر ونحوه، أم حجّة وبرهانا من الكون يرشد إلى ضرورة الاعتراف والإيمان بوجود إله واحد قديم حيّ غني عن جميع الأشياء، قادر لا يعجزه شيء، عالم لا يخفى عليه شيء من أحوال الأنبياء ومواقف أقوامهم منهم وغير ذلك.
ومن مظاهر موقفهم أيضا: تكذيبهم مشركي مكّة بالحقّ الثّابت من عند الله وهو القرآن وإرسال محمد صلّى الله عليه وسلّم. ولكن الله تعالى توعّدهم بالعقاب وأنذرهم بالعذاب، فأمر نبيّه بالصّبر، وسوف يأتيهم أخبار استهزائهم وهو العذاب الذي سينزل بهم في الدّنيا كيوم بدر، والعذاب المنتظر لهم يوم القيامة.
وذكّرهم الحقّ تعالى بأحوال من قبلهم، فقال: أَلَمْ يَرَوْا كَمْ أَهْلَكْنا ...
أي ألا يعتبرون بمن أهلك الله من الأمم قبلهم لتكذيبهم أنبياءهم، والمعنى: ألم يعرفوا ذلك، فالله تعالى أمرهم بكلّ أسباب القوّة والسّعة والتّمكّن في الأرض أكثر مما مكّن لأهل مكّة من الأموال والأولاد والأعمار والجاه العريض والسّعة