قال الرّازي: رتّب تعالى أحوال هؤلاء الكفار على مراتب ثلاث: إعراض عن التّأمّل في الدّلائل والتّفكّر في البيّنات، وكونهم مكذّبين بها، ثم كونهم مستهزئين بها، وكلّ مرتبة أشدّ مما قبلها لأن المعرض عن الشيء قد لا يكون مكذّبا به، بل يكون غافلا عنه، والمكذّب بالشيء قد لا يبلغ تكذيبه به إلى حدّ الاستهزاء (?) .
ثمّ بيّن الله تعالى أن الوعيد بالعذاب سنّة الله في المكذّبين، فقال: أَلَمْ يَرَوْا.. أي ألم يعلم هؤلاء المكذّبون بالحقّ أنّا أهلكنا كثيرا من الأمم السابقة قبلهم، مثل قوم عاد وثمود وقوم فرعون وإخوان لوط، الذين كذّبوا رسلهم، بالرّغم من إعطائهم من أسباب القوة والسّعة في الرّزق والاستقلال والملك، ما لم نعطهم مثله. والقرن: الأمّة من الناس، الذين يعيشون في عصر واحد مائة سنة. والرؤية في قوله تعالى: أَلَمْ يَرَوْا رؤية القلب.
امتازوا بالغنى عن كفار قريش، فكانت الأمطار تنزل عليهم بكثرة وغزارة وتتابع، وكانت الأنهار تجري من تحت مساكنهم.
فلما كفروا بأنعم الله أهلكناهم بسبب ذنوبهم وتكذيبهم رسلهم، وأوجدنا من بعدهم قوما آخرين، وجيلا جديدا يعمرون البلاد، ويكونون أجدر بشكر النّعمة.
أي إن ذنوبهم التي أدّت إلى الهلاك نوعان: تكذيب الرّسل، وكفران النّعم، كما قال تعالى: وَكَمْ أَهْلَكْنا مِنْ قَرْيَةٍ بَطِرَتْ مَعِيشَتَها، فَتِلْكَ مَساكِنُهُمْ لَمْ تُسْكَنْ مِنْ بَعْدِهِمْ إِلَّا قَلِيلًا، وَكُنَّا نَحْنُ الْوارِثِينَ. وَما كانَ رَبُّكَ مُهْلِكَ الْقُرى حَتَّى يَبْعَثَ فِي أُمِّها [عاصمتها] رَسُولًا يَتْلُوا عَلَيْهِمْ آياتِنا، وَما كُنَّا مُهْلِكِي الْقُرى إِلَّا وَأَهْلُها ظالِمُونَ [القصص 28/ 58- 59] .