غير مخلوقة قلنا بديهة العقل شاهدة انا لا نجد فى الأموات امرا منضما الى ذواتها بل امرا انتزاعيا ينتزع منها كما ينتزع العمى من الأعمى وبصيرة الكشف حاكمة بان الصفات الله تعالى نقايض متمايزة فى مرتبة العلم فنقيض الحيوة الموت ونقيض العلم الجهل ونقيض القدرة العجز ونقيض البصر العمى وهكذا هى اعدام اصلية تقررت فى مرتبة العلم بالاضافة الى نقايضها وبصبغ الله سبحانه وكمال قدرته انصبغت تلك الاعدام فى تلك المرتبة بصبغ نقايضها التي هى صفات الكمال وتلك مخلوطة فى مرتبة العلم سميت أعيانا ثابتة وانصباغها فى تلك المرتبة بصبغ الوجود هو الكون الاول والسبب للكون فى الخارج كما ذكرنا فى تفسير قوله تعالى كُنْ فَيَكُونُ فى سورة البقرة فالاعيان الثابتة ظلال للصفات والممكنات فى الخارج الظلي ظلال لها ومعنى كون الممكنات ظلال لها ان افاضة الوجود وتوابعه من المبدأ الفياض على الممكنات الموجودة فى الخارج ليست الا بتوسط تلك الأعيان الثابتة كما ان نور المصباح الذي فى الزجاجة ينبسط على الأشياء بتوسط الزجاجة وأشير الى ذلك فى تفسير قوله تعالى مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكاةٍ فِيها مِصْباحٌ الْمِصْباحُ فِي زُجاجَةٍ ثم اعلم ان توسط الأعيان الثابتة بين الصفات والممكنات انما هو فى دار الدنيا واما فى الاخرة فسيكون افاضة الوجود وتوابعه من الصفات بلا توسط الأعيان وهذا هو الوجه لطويان الفناء على الممكنات فى الدنيا لا فى الاخرة آيات القران اعنى قوله تعالى كُنْتُمْ أَمْواتاً فَأَحْياكُمْ وقوله تعالى أَوَمَنْ كانَ مَيْتاً فَأَحْيَيْناهُ وأمثالها ناطقة بان الموت صفة للممكن مقدمة على الإيجاد فتاويل قوله تعالى خلق الموت اى أظهره بايجاد الحيوة او أظهره بازالة الحيوة او خلق الأموات بحيث ينتزع منها عدم الحيوة والخلق بمعنى التقدير
اى قدر الموت والحيوة (قال) البغوي قال عطاء عن ابن عباس يريد خلق الموت فى الدنيا والحيوة فى الاخرة قلت لعله أراد انه تعالى عبر الحيوة الدنيوية بالموت والحيوة الاخروية بالحياة قلت وذلك لما قلنا من كون الأعيان الثابتة مربيات لها فى الدنيا وكون الاعدام داخلة فى ماهياتها فكان الحيوة الدنيا لا يخلو من شائبة الموت ويصدق ان يقال إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ اى فى الحال وكذا كُلُّ مَنْ عَلَيْها فانٍ وكُلُّ شَيْءٍ هالِكٌ فان الحقيقة فى المشتق هو المعنى الحال وما كان او ما يؤل فهو مجازى والله تعالى اعلم وذهب جماعة الى ان الموت جسم ليس بعرض وانه مخلوق فى صورة كبش أملح والحياة فى صورة فرس أنثى واختاره السيوطي فى بدور السافرة ومبنى هذا القول