ثم في بعض المواضع وكلمة الفاء في بعضها فلتفاوت الاستحالات- الا ترى ان استحالة السلالة الى النطفة في غاية البعد- واستحالة النطفة الّتي استقرت في صلب الرجل وترائب المرأة زمانا طويلا- ثم وصلت في رحم المرأة وامتزجت هناك وبقيت في الرحم نطفة أربعين يوما- ثم تحولت الى العلقة ايضا لطول زمانه وتراخيه يقتضى العطف بكلمة ثم بخلاف التحويلات الاخر من العلقة الى المضغة ومن المضغة الى العظام والى تكسية العظام لحما فكل ذلك ليس بتلك المثابة من البعد- ولاجل ذلك أوردها بلفظة الفاء وأورد كلمة ثم في قوله ثُمَّ أَنْشَأْناهُ خَلْقاً آخَرَ للتراخى في الرتبة وكمال التفاوت بين الخلقتين والله اعلم (مسئلة) هذه الاية تدل على انه من غصب بيضة فافرخت عنده ثم مات الفرخ- او أخذ من الحرم بيضة فاخرجها الى الحل ثم افرخت لزمه ضمان البيضة دون الفرخ لانه خلق اخر وفيه الروح السفلى وهو الروح الحيواني والله اعلم- وقال قتادة معنى قوله ثُمَّ أَنْشَأْناهُ خَلْقاً آخَرَ نبات الأسنان والشعر وروى ابن جريج عن مجاهد انه استواء الشباب وعن الحسن قال ذكر او أنثى- وروى العوفى عن ابن عباس
ان ذلك تصريف أحواله بعد الولادة من الاستهلال الى الارتضاع الى القعود الى القيام الى المشي الى الفطام الى أن يأكل ويشرب الى ان يبلغ الحلم وينقلب في البلاد الى ما بعدها- قلت ويمكن ان يكون المراد بقوله تعالى ثُمَّ أَنْشَأْناهُ خَلْقاً آخَرَ الولادة الثانية الّتي يكون للفقراء بالفناء والانخلاع من الصفات البهيمية والسبعية والبشرية الى الصفات الملكية والارتقاء منها الى الصفات الرحمانية والبقاء بذات الله تعالى او بصفاته القدسية وهذا التأويل أليق بالعطف بكلمة ثم فَتَبارَكَ اللَّهُ اى تعالى وتعظّم من ان يتخذ له شريكا او بتهاون في امتثال أوامره او الانتهاء عن مناهيه- والفاء للسببيّة فان اتصافه تعالى بما ذكر من الخلق دليل على كمال قدرته وحكمته يقتضى الحكم بكبريائه وعظمته