أن الله أنزل هذه الآية حتى تلاها عليهم أبو بكر، فتلقّاها منه الناس كلُّهم، فما أسمع بشرًا من الناس إلا يتلوها. وأخبرني سعيد بن المسيِّب أن عمر قال: والله ما هو إلا أن سمعت أبا بكر تلاها فعَقُرت حتى ما تُقِلّني رجلاي، وحتى أهويت إلى الأرض] (?).

وقوله: {وَمَا كَانَ لِنَفْسٍ أَنْ تَمُوتَ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ كِتَابًا مُؤَجَّلًا}. أي: لا يفارق أحد هذه الدنيا إلا في يومه الذي كتبه الله له، وفي الأجل الذي أراد الله له استيعابه.

أخرج أبو نعيم في الحلية بسند حسن عن أبي أمامة، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: [إن روح القدس نفث في رُوعي أن نفسًا لن تموت حتى تستكمل أجلها وتستوعب رزقها، فاتقوا الله وأجملوا في الطلب، ولا يحملن أحدكم استبطاء الرزق أن يطلبه بمعصية الله، فإن الله تعالى لا يُنال ما عنده إلا بطاعته] (?).

وفي التنزيل: {وَمَا يُعَمَّرُ مِنْ مُعَمَّرٍ وَلَا يُنْقَصُ مِنْ عُمُرِهِ إِلَّا فِي كِتَابٍ} [فاطر: 11].

قال ابن كثير: (وهذه الآية - يعني آية آل عمران - فيها تشجيع للجبناء وترغيب لهم في القتال، فإن الإقدام والإحجام لا ينقصُ من العمر ولا يزيد فيه، كما قال ابن أبي حاتم: حدثنا العباس بن يزيد العَبْدي قال: سمعت أبا معاوية، عن الأعمش، عن حبيب بن صُهْبَان قال: قال رجل من المسلمين - وهو حُجْر بن عَدِيّ -: ما يمنعكم أنْ تَعْبروا إلى هؤلاء العدوّ هذه النطفة - يعني دجلة - {وَمَا كَانَ لِنَفْسٍ أَنْ تَمُوتَ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ كِتَابًا مُؤَجَّلًا} ثم أقحم فرسه دجلة. فلما أقحم أقحم الناس، فلما رآهم العدو قالوا: ديوان. فهربوا).

وقوله: {وَمَنْ يُرِدْ ثَوَابَ الدُّنْيَا نُؤْتِهِ مِنْهَا وَمَنْ يُرِدْ ثَوَابَ الْآخِرَةِ نُؤْتِهِ مِنْهَا}. قال ابن إسحاق: (أي: فمن كان منكم يريد الدنيا، ليست له رغبة في الآخرة، نؤته ما قسم له منها من رزق، ولا حظ له في الآخرة, {وَمَنْ يُرِدْ ثَوَابَ الْآخِرَةِ نُؤْتِهِ مِنْهَا} ما وعده، مع ما يُجرى عليه من رزقه في دنياه).

وقوله: {وَسَنَجْزِي الشَّاكِرِينَ}. أي: سنعطيهم من رزقتا ورحمتنا وذلك حسب أعمالهم، وذلك في الدنيا وفي الآخرة.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015