والمعنى: ألزمهم الله الذلة والصغار فلا يأمنون إلا بذمة من الله -وهو عقد الذمة لهم وضرب الجزية عليهم- وذمة من الناس- أي أمان لبعضهم إذا أمّنه واحد من المسلمين، أو ما يكون حال المهادنة والأسر.

وقوله: {وَبَاءُوا بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ}. أي: تحمّلوا غضب الله فانصرفوا به مستحقِّيه.

وقوله: {وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الْمَسْكَنَةُ}. أي: ألزموها. قال ابن جرير: (ومعنى المسكَنة: ذل الفاقة والفقر وخشوعهما).

وقوله: {ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَانُوا يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَيَقْتُلُونَ الْأَنْبِيَاءَ بِغَيْرِ حَقٍّ} أي: إنما قضى عليهم ما قضى من الذل والهزيمة لقاء كفرهم وتجرئهم على الأنبياء بالقتل حسدًا منهم وبغيًا في الأرض وحبًا للكبر.

وقوله: {ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ}. قال قتادة: (اجتنبوا المعصية والعدوان، فإن بهما أهلِكَ مَنْ أُهلك قبلكم من الناس).

113 - 117. قوله تعالى: {لَيْسُوا سَوَاءً مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ أُمَّةٌ قَائِمَةٌ يَتْلُونَ آيَاتِ اللَّهِ آنَاءَ اللَّيْلِ وَهُمْ يَسْجُدُونَ (113) يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَأُولَئِكَ مِنَ الصَّالِحِينَ (114) وَمَا يَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ فَلَنْ يُكْفَرُوهُ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالْمُتَّقِينَ (115) إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَنْ تُغْنِيَ عَنْهُمْ أَمْوَالهُمْ وَلَا أَوْلَادُهُمْ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا وَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (116) مَثَلُ مَا يُنْفِقُونَ فِي هَذِهِ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَثَلِ رِيحٍ فِيهَا صِرٌّ أَصَابَتْ حَرْثَ قَوْمٍ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ فَأَهْلَكَتْهُ وَمَا ظَلَمَهُمُ اللَّهُ وَلَكِنْ أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ (117)}.

في هذه الآيات: يخبر تعالى أن من أهل الكتاب أمة قائمة بأمر الله مطيعة لشرعه، آمنوا بمحمد - رضي الله عنه - مع إيمانهم برسلهم وما أنزل من قبل، يقومون الليل ويتلون القرآن وهم من الصالحين. وما يفعلوا من خير فهو محسوب لهم والله عليم بالمتقين. إن أموال الكفار وأولادهم لن تدفع عنهم عذاب النار يوم القيامة. وإنما مثل ما ينفقون في هذه الدنيا من أموال وما يعملون من أعمال ظاهرها البر والصلاح كمثل زرع أهلكته الريح، فإن الله لا يقبل مع الشرك شيئًا.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015