والخلاصة: هذه الأمة هي أمة الخيرية، وأمة الشهادة على الناس، وأمة الوسطية، فمن التزم الشرط الذي ذكره الله تعالى: {تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ} دخل في هذا الثناء العطر لهذه الأمة. قال عمر بن الخطاب: (من فعل فعلهم كان مثلهم). وقال قتادة: (بلغنا أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه في حَجَّة حَجَّها، رأى من الناس دَعَة، فقرأ هذه الآية: {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ}، ثم قال: من سره أن يكون من تلك الأمة، فليؤد شرط الله فيها) ذكره ابن جرير.
وقوله: {وَلَوْ آمَنَ أَهْلُ الْكِتَابِ}. يعني: بما أنزل الله على محمد - صلى الله عليه وسلم - مصدقًا لما معهم. {لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ} أي: في الدنيا والآخرة.
وقوله: {مِنْهُمُ الْمُؤْمِنُونَ وَأَكْثَرُهُمُ الْفَاسِقُونَ}. قال قتادة: (ذم الله أكثر الناس). والمراد: أن قلة منهم ستؤمن بما أنزل إليكم، وأكثرهم يتابعون على الفسق والضياع والانحراف.
وقوله: {لَنْ يَضُرُّوكُمْ إِلَّا أَذًى}. قال قتادة: (لن يضروكم، إلا أذى تسمعونه منهم). وقال الحسن: (تسمعون منهم كذبًا على الله، يدعونكم إلى الضلالة). وقال ابن جريج: (إشراكهم في عُزير وعيسى والصَّليب).
وقوله: {وَإِنْ يُقَاتِلُوكُمْ يُوَلُّوكُمُ الْأَدْبَارَ ثُمَّ لَا يُنْصَرُونَ}. كناية عن انهزامهم وجُبْنهم أثناء القتال، وتولية ظهورهم يركبون الفرار، وقد كتب الله عليهم الذل وأيد المؤمنين بنصره عليهم.
قال ابن كثير: (وهكذا وقع، فإنهم يوم خيبر أذلهم الله وأرغم أنوفهم، وكذلك من قبلهم من يهود المدينة بني قينقاع وبني النضير وبني قريظة، كلهم أذلهم الله، وكذلك النصارى بالشام كَسَرهم الصحابة في غير ما موطن، وسلبوهم مُلْكَ الشام أبد الآبدين ودهر الداهرين، ولا تزال عصابة الإسلام قائمة بالشام حتى ينزل عيسى بن مريم، وهم كذلك، وَيَحْكُم بملة الإسلام وشرع محمد، عليه أفضل الصلاة والسلام، فيكسر الصليب ويقتل الخنزير، ويضع الجزية، ولا يقبل إلا الإسلام).
وقوله: {ضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ أَيْنَ مَا ثُقِفُوا إِلَّا بِحَبْلٍ مِنَ اللَّهِ وَحَبْلٍ مِنَ النَّاسِ}.
قال الحسن: (أذلهم الله فلا مَنْعةَ لهم، وجعلهم الله تحت أقدام المسلمين).
وقال السدي: {إِلَّا بِحَبْلٍ مِنَ اللَّهِ وَحَبْلٍ مِنَ النَّاسِ} يقول: إلا بعهد من الله وعهد من الناس). قال عطاء: (العهد حبلُ الله).