والقَطْرِ لكان، فأنزل الله تعالى: {قُلْ مَنْ كَانَ عَدُوًّا لِجِبْرِيلَ فَإِنَّهُ نَزَّلَهُ عَلَى قَلْبِكَ بِإِذْنِ اللَّهِ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ وَهُدًى وَبُشْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ} والآية التي بعدها] (?).

يروي ابن جرير في التفسير عن ابن جُريج والعوفي، عن ابن عباس قال: (كان إسرائيل -وهو يعقوب- عليه السلام يعتريه عرْق النّسا بالليل، وكان يقلقه ويزعجه عن النوم، ويُقْلِعُ الوجع عنه بالنهار، فنذر لله لئن عافاه الله لا يأكل عِرْقًا ولا يأكل ولدٌ له عرقًا). قال: (فاتبعه بنوه في تحريم ذلك استنانًا به واقتداء بطريقه).

وقوله: {مِنْ قَبْلِ أَنْ تُنَزَّلَ التَّوْرَاةُ}. قال ابن عباس: (أي إن هذا قبل التوراة). يعني: حرّم ذلك يعقوب على نفسه من قبل أن تنزل التوراة.

قال الحافظ ابن كثير: (ولهذا السياق بعدما تقدم مناسبتان: إحداهما: أن إسرائيل عليه السلام حرَّمَ أحب الأشياء إليه وتركها لله، وكان هذا سائغًا في شرعهم، فله مناسبة بعد قوله: {لَنْ تَنَالوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ} فهذا هو المشروع عندنا، وهو الإنفاق في طاعة الله مما يحبه العبد ويشتهيه، كما قال تعالى: {وَآتَى الْمَال عَلَى حُبِّهِ} [البقرة: 177]. وقال تعالى: {وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ} [الإنسان: 8] الآية.

المناسبة الثانية: لما تقدم بيان الرد على النصارى، واعتقادهم الباطل في المسيح، وتبيين زيف ما ذهبوا إليه، وظهور الحق واليقين في أمر عيسى وأمه، وكيف خلقه الله بقدرته ومشيئته، وبعثه إلى بني إسرائيل يدعو إلى عبادة ربه تبارك وتعالى، شرع في الرد على اليهود قبحهم الله تعالى وبيان أن النسخ الذي أنكروا وقوعه وجوازه قد وقع، فإن الله تعالى قد نص في كتابهم التوراة أن نوحًا عليه السلام لما خرج من السفينة، أباح الله له جميع دوابِّ الأرض يأكل منها، ثم بعد هذا حرّم إسرائيل على نفسه لحوم الإبل وألبانها، فاتبعه بنوه في ذلك، وجاءت التوراة بتحريم ذلك، وأشياء أخرى زيادة على ذلك. وكان الله عزَّ وجلَّ قد أذن لآدم في تزويج بناته من بنيه. وقد حُرِّمَ ذلك بعد ذلك. وكان التسرِّي على الزوجة مباحًا في شريعة إبراهيم عليه السلام، وقد فعله إبراهيم في هاجر لما تسرّى بها على سارة، وقد حُرِّم مثل هذا في التوراة عليهم. وكذلك كان الجمع بين الأختين سائغًا، وقد فعله يعقوب عليه السلام جمع بين الأختين، ثم حُرِّم

طور بواسطة نورين ميديا © 2015