{يُكْشَفُ عَنْ سَاقٍ}. فعند ذلك يكشف عن ساقه فيخرون، ويبقى قومٌ ظهورهم كصياصي البقر يريدون السجود فلا يستطيعون، ثم يقول: ارفعوا رؤوسكم، فيعطيهم نورهم على قدر أعمالهم، والرب عز وجل أمامهم] (?).
الحديث الثالث: أخرج الدارمي في سننه عن أبي هريرة رضي اللَّه عنه قال: سمعت رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- يقول: [إذا جمع اللَّه العباد بصعيد واحد، نادى مناد: يلحق كل قوم بما كانوا يعبدون. ويبقى الناس على حالهم، فيأتيهم فيقول: ما بال الناس ذهبوا وأنتم هاهنا؟ فيقولون: ننتظر إلهنا. فيقول: هل تعرفونه؟ فيقولون: إذا تعرف إلينا عرفناه، فيكشف لهم عن ساقه فيقعون سجدًا وذلك قول اللَّه تعالى: {يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ سَاقٍ وَيُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ فَلَا يَسْتَطِيعُونَ}. ويبقى كل منافق فلا يستطيع أن يسجد، ثم يقودهم إلى الجنة] (?).
قلت: فكان الإيمان بالأَسماء والصفات سببًا للنجاة يوم القيامة، لما اشتملت هذه الصفات على كلمة السر التي بين اللَّه وبين المؤمنين وهي "الساق" التي هي صفة من صفاته، وهي ساق تليق بجلاله وجماله وكماله، فليس كمثله شيء وهو السميع البصير. وقد فَصَّلْتُ هذه الأبحاث في كتابي: "أصل الدين والإيمان، عند الصحابة والتابعين لهم بإحسان"، فلله الحمد والشكر وواسع الامتنان.
وأما ما ذهب إليه كثير من المفسرين إلى أن المقصود: {يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ سَاقٍ} أي عن شدة وكرب، فاستعير الساق والكشف عنها في موضع الشدة. أو قيل عن ساق العرش، أو غير ذلك من التكلف، فيقال: أَبَعْدَ هذا البيان من الوحي العظيم، يتلو تفسيره النبي الكريم، عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم، يكون هناك بيان لعالم أو حكيم! !
كلا، فإذا صَحّ الخبر عن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- مفسرًا ما أشكل فهمه من القرآن، فليس لأحد بعد ذلك مقال. وهذا هو المنهج الذي كان عليه علماء الصحابة والتابعون لهم من الراسخين في العلم.