فأقبل بعضهم على بعض يلوم بعضهم بعضًا على تفريطهم فيما فرّطوا فيه من الاستثناء، وعزمهم على ما كانوا عليه من ترك إطعام المساكين من جنتهم).
وقوله تعالى: {قَالُوا يَاوَيْلَنَا إِنَّا كُنَّا طَاغِينَ}. أي قال أصحاب الجنة: يا ويلنا إنا كنا عاصين بمنع حق الفقراء، وتركنا الاستثناء.
وقوله تعالى: {عَسَى رَبُّنَا أَنْ يُبْدِلَنَا خَيْرًا مِنْهَا إِنَّا إِلَى رَبِّنَا رَاغِبُونَ}. قال القاسمي: ({عَسَى رَبُّنَا أَنْ يُبْدِلَنَا خَيْرًا مِنْهَا} أي بتوبتنا إليه، وندمنا على خطأ فعلنا، وعزمنا على عدم العود إلى مثله. {إِنَّا إِلَى رَبِّنَا رَاغِبُونَ} أي في العفو عما فرط منا، والتعويض عما فاتنا).
وقوله: {كَذَلِكَ الْعَذَابُ}. قال ابن زيد: (عذاب الدنيا، هلاك أموالهم: أي عقوبة الدنيا). والمقصود: كذلك يكون العذاب في الدنيا لمن خالف الرسل وكفر بالحق وبغى الفساد في الأرض.
وقوله: {وَلَعَذَابُ الْآخِرَةِ أَكْبَرُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ}. أي: ولعذاب الآخرة أعظم من عذاب الدنيا لو كان هؤلاء المشركون يفقهون. قال النسفي: ({لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ} لما فعلوا ما يفضي إلى هذا العذاب). وقال ابن جرير: (يقول: لارتدعوا، وتابوا وأنابوا، ولكنهم بذلك جهال لا يعلمون).
34 - 41. قوله تعالى: {إِنَّ لِلْمُتَّقِينَ عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتِ النَّعِيمِ (34) أَفَنَجْعَلُ الْمُسْلِمِينَ كَالْمُجْرِمِينَ (35) مَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ (36) أَمْ لَكُمْ كِتَابٌ فِيهِ تَدْرُسُونَ (37) إِنَّ لَكُمْ فِيهِ لَمَا تَخَيَّرُونَ (38) أَمْ لَكُمْ أَيْمَانٌ عَلَيْنَا بَالِغَةٌ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ إِنَّ لَكُمْ لَمَا تَحْكُمُونَ (39) سَلْهُمْ أَيُّهُمْ بِذَلِكَ زَعِيمٌ (40) أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ فَلْيَأْتُوا بِشُرَكَائِهِمْ إِنْ كَانُوا صَادِقِينَ (41)}.
في هذه الآيات: ذكر مآل المتقين في روضات الجنات، التي لا يعتريها ما يعتري بساتين الدنيا من الشوائب وآلافات، والتفريق بين المسلمين والمجرمين، فالمؤمنون في سرور ونعيم، والكافرون هم وشركاؤهم في نار الجحيم.
فقوله تعالى: {إِنَّ لِلْمُتَّقِينَ عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتِ النَّعِيمِ}. قال القرطبي: (أي إن للمتقين في الآخرة جنات ليس فيها إلا التنعم الخالص، لا يشوبه ما ينغّصه كما يشوب جنات الدنيا).