يكتمون ذهابهم ويتسارّون فيما بينهم: {أَنْ لَا يَدْخُلَنَّهَا الْيَوْمَ عَلَيْكُمْ مِسْكِينٌ}. أي: لا تمكنوا اليوم فقيرًا من الدخول عليكم.

وقوله تعالى: {وَغَدَوْا عَلَى حَرْدٍ قَادِرِينَ}. قال مجاهد: (على جِدّ قادرين في أنفسهم). وقال عكرمة: ({عَلَى حَرْدٍ}: على غيظ). قلت: وفي لغة العرب: (حَرَدَ) أي: قصد. والحَرَدُ بالتحريك الغضب. والمقصود: أي غدوا على قصد وبقوة وشدة {قَادِرِينَ} أي في زعهمم على ما أصروا عليه من الصرام وحرمان المساكين.

وقوله تعالى: {فَلَمَّا رَأَوْهَا قَالُوا إِنَّا لَضَالُّونَ}. قال قتادة: (أي أضللنا الطريق). والمقصود: فلما وصلوا إليها وأشرفوا عليها -وقد تغيرت حالها بما نزل بها من البلاء واستحالت نضارتها وزهرتها ووفرة ثمارها إلى أرض سوداء مدلهمة- أنكروها وشكّوا فيها هل هي جنتهم أم لا، وظنوا أنهم قد أخطؤوا الطريق.

وقوله تعالى: {بَلْ نَحْنُ مَحْرُومُونَ}. قال قتادة: (بل جوزينا فحُرمنا). قال ابن كثير: (ثم رجعوا عما كانوا فيه، وتيقنوا أنها هي فقالوا: {بَلْ نَحْنُ مَحْرُومُونَ}، أي: بل هي هذه، ولكن نحن لا حَظَّ لنا ولا نصيب).

وقوله تعالى: {قَالَ أَوْسَطُهُمْ أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ لَوْلَا تُسَبِّحُونَ}. قال ابن عباس ومجاهد: ({أَوْسَطُهُمْ}: أي أعدَلُهم وخيرهم). والمقصود: قال أمثلهم وأعدلهم وأعقلهم حين رأوا الهلاك الذي نزل بأرضهم: هلّا كنتم شكرتم اللَّه على ما أعطاكم وتبتم إليه من فساد نيتكم. وعن مجاهد: ({أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ لَوْلَا تُسَبِّحُونَ} قال: يقول: تستثنون، فكان التسبيح فيهم الاستثناء). قال النحاس: (أصل التسبيح التنزيهُ للَّه عز وجل، فجعل مجاهد التسبيح في موضع إن شاء اللَّه، لأن المعنى تنزيه اللَّه عز وجل أن يكون شيء إلا بمشيئته).

قلت: والراجح ما ذكرناه، فإن تسبيح اللَّه يشتمل على شكره وإخلاص النية والقصد له، ويدل على ذلك قولهم بعد ذلك: {قَالُوا سُبْحَانَ رَبِّنَا إِنَّا كُنَّا ظَالِمِينَ}. قال ابن عباس: (أي نستغفر اللَّه من ذنبنا {إِنَّا كُنَّا ظَالِمِينَ} لأنفسنا في منعنا المساكين). قال القرطبي: ({قَالُوا سُبْحَانَ رَبِّنَا} اعترفوا بالمعصية ونزهوا اللَّه عن أن يكون ظالمًا فيما فعل).

وقوله تعالى: {فَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ يَتَلَاوَمُونَ}. قال ابن جرير: (يقول جل ثناؤه:

طور بواسطة نورين ميديا © 2015