الذي لا دوام له. قال مجاهد: ({سِحْرٌ مُسْتَمِرٌّ}: ذاهب)، وهو من قولهم: مَرَّ الشيء واستمر إذا ذهب. وقال الضحاك: (محكم قوي شديد)، وهو من المِرَّة وهي القوة. والأول أرجح لورود النص فيه.
أخرج الترمذي بسند صحيح عن جبير بن مطعم قال: [انشق القمر على عهد رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، حتى صار فرقتين، على هذا الجبل، وعلى هذا الجبل، فقالوا: سحرنا محمد. فقال بعضهم: لئن كان سحرنا، فما يستطيع أن يسحر الناس كلهم] (?).
وأخرج البيهقي فىِ "الدلائل"، والطيالسي بنحوه، عن مسروق، عن عبد اللَّه قال: [انْشَقَّ القمرُ بِمَكَّةَ حتى صار فِرْقَتين، فقال كُفَّار قريش أهل مكة: هذا سِحْرٌ سَحَرَكم به ابنُ أبي كَبْشَةَ، انظروا السُّفَّار فإن كانوا رأوا ما رأيتم فقد صدق، وإن كانوا لم يروا مثل ما رأيتُم فَهُوَ سِحْرٌ سَحَرَكُم به. قال: فَسُئِلَ السُّفَّار، قال: وقَدِموا من كل وجهٍ، فقالوا: رأيناه] (?).
ولفظ الطيالسي: قال عبد اللَّه بن مسعود: [انشَقَّ القمرُ على عهد رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- فقالت قريشٌ: هذا سِحْرُ ابن أبي كبشة. قال: انظروا ما يأتيكم به السُّفَّار، فإن محمدًا لا يستطيعُ أن يسحَرَ الناس كُلَّهم. قال: فجاء السُّفَّار فقالوا ذلك] (?).
والخلاصة: لقد علّل المشركون تلك الآية العظيمة بالسحر الذي كانوا عادة يفرون من الحقيقة بالاتهام به، فقد اتهموا الرسول -صلى اللَّه عليه وسلم- به من قبل، ولكنّ اللَّه حاجَّهم بالمعجزات الحسية شأن الأمم قبلهم، ليحق عليهم ما حقَّ على الأمم الذين كذبوا وعاندوا من قبلهم.
وفي التنزيل: {وَمَا مَنَعَنَا أَنْ نُرْسِلَ بِالْآيَاتِ إِلَّا أَنْ كَذَّبَ بِهَا الْأَوَّلُونَ وَآتَيْنَا ثَمُودَ النَّاقَةَ مُبْصِرَةً فَظَلَمُوا بِهَا وَمَا نُرْسِلُ بِالْآيَاتِ إِلَّا تَخْوِيفًا} [الإسراء: 59].
وتأويل الآية: أي كما أن معجزة صالح -صلى اللَّه عليه وسلم- لم تنفع في جلب ثمود إلى الإيمان، فإن المشركين من قريش لن تنفعهم معجزة يعطيها اللَّه لمحمد عليه الصلاة والسلام،