وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فِي رَوْضَاتِ الْجَنَّاتِ لَهُمْ مَا يَشَاءُونَ عِنْدَ رَبِّهِمْ ذَلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ (22)}.

في هذه الآيات: لُطف اللَّه تعالى بعباده ورزقه لهم رغم معاصيهم، وتوضيحه السبيلين لهم: فمن أراد الحق وإعزاز الدين ذلّل له طريق ذلك، ومن أراد الدنيا وشهواتها أعطاه منها، فالمؤمنون في روضات الجنات يوم القيامة يتلذذون في ألوان النعيم، والكافرون في دركات النار يقاسون في عذاب الجحيم.

فقوله: {اللَّهُ لَطِيفٌ بِعِبَادِهِ}. قال ابن عباس: (حَفِيّ بهم). وقال عكرمة: (بارٌّ بهم). وقال السدّيّ: (رفيق بهم). وقال مقاتل: (لطيف بالبرّ والفاجر، حيث لم يقتلهم جوعًا بمعاصيهم). وقال القرظي: (لطيف بهم في العرض والمحاسبة. قال:

غدًا عند مَوْلى الخلق للخلق موقف ... يسائلهم فيه الجليل ويلطف).

وقال جعفر بن محمد بن عليّ بن الحسين: (يلطف بهم في الرزق من وجهين: أحدهما -أنه جعل رزقك من الطيبات، والثاني- أنه لم يدفعه إليك مرة واحدة فتبذره). وقال الحسين بن الفضل: (لطيف بهم في القرآن وتفصيله وتفسيره). وقال الجُنيد: (لطيف بأوليائه حتى عرفوه، ولو لطف بأعدائه لما جحدوه). وقيل: لطيف بمن لجأ إليه من عباده إذا يئس من الخلق توكل عليه ورجع إليه، فإنه يقبله ويقبل عليه.

قلت: وجميع ما سبق داخل في آفاق لطفه سبحانه بعباده، وفي مفهوم اسمه {اللَّطِيفُ} فتبارك اللَّه اللطيف الخبير.

وقوله: {يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ}. أي: يوسع رزق من شاء، ويَحْرِم بحكمته من يشاء. وقوله: {وَهُوَ الْقَوِيُّ الْعَزِيزُ}. قال النسفي: ({الْقَوِيُّ} الباهر القدرة الغالب على كل شيء {الْعَزِيزُ} المنيع الذي لا يغلب).

وقوله: {مَنْ كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الْآخِرَةِ نَزِدْ لَهُ فِي حَرْثِهِ}. الحرث: العمل والكسب. ومنه قول عبد اللَّه بن عمرو: (احرث لدنياك كأنك تعيش أبدًا، واعمل لآخرتك كأنك تموت غدًا). قال السدي: (من كان يريد عمل الآخرة نزد له في عمله). قال القرطبي: (والمعنى: أي من طلب بما رزقناه حرثًا لآخرته، فأدَّى حقوق اللَّه وأنفق في إعزاز الدِّين، فمانما نعطيه ثواب ذلك للواحد عشرًا إلى سبع مئة فأكثر. {وَمَنْ كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الدُّنْيَا} أي طلب بالمال الذي آتاه اللَّه رياسة الدنيا والتوصل إلى المحظورات، فإنا

طور بواسطة نورين ميديا © 2015