({قُلْ يَاقَوْمِ اعْمَلُوا عَلَى مَكَانَتِكُمْ}: أي حالتكم التي أنتم عليها، من العداوة ومناصبة الحق). وقال الشوكاني: (أي على حالتكم التي أنتم عليها وتَمَكَّنْتُم منها {إِنِّي عَامِلٌ} على حالتي التي أنا عليها وتمكنت منها. {فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ (39) مَنْ يَأْتِيهِ عَذَابٌ يُخْزِيهِ} قال: أي يهينه ويذله في الدنيا، فيظهر عند ذلكَ أنه المبطل وخصمه المحق، والمراد بهذا العذاب عذاب الدنيا وما حلَّ بهم من القتل والأسر والقهر والذلة. ثم ذكر عذاب الآخرة فقال: {وَيَحِلُّ عَلَيْهِ عَذَابٌ مُقِيمٌ} أي دائم مستمر في الدار الآخرة وهو عذاب النار).
قلت: وغاية المعنى أَنَّ ذلكَ تهديدٌ من اللَّه لهم على تماديهم في الكذب والعناد واتباع ملة الآباء، والتعامي عن الوحي ونور القرآن، واتخاذ الأصنام والأوثان بدعوى الشفاعة ولا برهان، فاعملوا على طريقتكم -أيها القوم- التي ارتضيتم، ومنهجيتكم التي إليها تحاكمتم، فإني سامضي على طريقتي ومنهجي، وستعلمون وبال ذلكَ حين تعاينون عذاب الدنيا وجحيم الآخرة، وقد صدق اللَّه العظيم، فأذاقهم الذل يوم بدر ودُقّت أعناقهم ونكست رؤوسهم، وأهانهم بالجوع والسيف ثم هم في الآخرة من المقبوحين.
وقد خرّج الإمام البخاري في صحيحه عن عبد اللَّه قال: [بينا رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- ساجد (وفي رواية: أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- كان يصلي عند البيت) وأبوِ جهل وأصحابٌ له جلوس إذ قال بعضهم لبعض: أيُّكم يجيءُ بِسَلَى جَزور بني فلان فيَضَعُهُ على ظهر محمد إذا سجد؟ فانبعث أشقى القوم فجاء به فنظر حتى سجد النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- وضعه على ظهره بين كتفيه، وأنا أنظر لا أُغني شيئًا لو كان لي مَنَعَةٌ، قال: فجعلوا يضحكون ويُحيلُ بعضُهم على بعض ورسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- ساجد لا يرفع رأسه حتى جاءته فاطمة فطرحت عن ظهره، فرفع رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- رأسهُ ثم قال: اللهم عليكَ بقريش ثلاث مرات، فشَقَّ عليهم إذ دعا عليهم. قال: وكانوا يَرَوْن أنَّ الدعوة في ذلك البلد مستجابة، ثم سمّى: اللهم عليكَ بأبي جهل وعليك بعُتْبةَ بنِ ربيعةَ وشيبةَ بن ربيعة والوليدِ بن عتبة، وأميةَ بن خلف وعقبة بن أبي مُعَيْط وعدَّ السابع فلم يَحفَظْ قال: فوالذي نفسي بيدهِ لقد رأيتُ الذين عدَّ رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- صرعى في القليب قليب بدر] (?).