يا محمد، والإقرار بألوهيته، وإفراده بالعبادة والتعظيم فهو يمضي على بصيرة من اللَّه في كل شأنه وأحواله كمن هو بعيد عن الحق يعيش قسوة القلب وغشاء السكر على عقله وفؤاده، فهذا القرآن أعظم الحديث والذكر فمن شأنه أن تخبت قلوب المؤمنين عند سماعه وتقشعر جلودهم خوفًا مما فيه من الوعد والوعيد، فهو مثاني تُثَنَّى فيه الأنباء والأخبار والقضاء والأحكام والبراهين والأدلة والحجج لينذر من كان حيًا فتناله منه خشية ورهبة تحمله على العمل ومباشرة الأمر، فيهديهم ربهم بهذا القرآن هداية توفيق وإلهام بعد أن أضاء لهم في قلوبهم طريق الإيمان والإحسان، فإن من يخذله اللَّه عن اتباع هذا القرآن فيضله فلا سبيل إلى توفيقه واهتدائه. أفمن ينجو يوم الحساب من العذاب كمن يُخَرُّ على وجهه في النار ويقال له ذق إنك أنت العزيز الكريم فهذا جزاء ما كنتم تكسبون، فقد مضى على منهاج التكذيب أمم قبلكم ودول دَكَّها اللَّه بغتة من حيث لا يشعرون، وأذاقهم خزي الدنيا ثم إنهم قادمون على فضيحة الآخرة وخزي الندامة لو كانوا يعلمون.

لقد ضرب اللَّه في هذا القرآن العربي الفصيح أمثلة في غاية الدقة لمن أراد أن يذكّر أو أراد نجاة وأمانًا، فهل مثل عبد مملوك يشترك في ملكه رجال يتنازعونه بينهم كمن هو خالص لسيده، يبادله خالص الأجر والكرامة والتقدير، فذلك مثل من أشرك باللَّه وقَطَّعَ نَفْسَه ومَزَّق مستقبله ومثل من أخلص العبادة والتعظيم لخالقه جل ثناؤه. قل لقومك يا محمد: إنكم ستنتقلون لا محالة من هذه الدار وستجتمعون عند اللَّه في الدار الآخرة وهناك تختصمون فيفصل بينكم فينجي المؤمنين ويعذب المشركين، فمن أظلم ممن كذب بالوحي والتنزيل ونسب للَّه صفات النقص ظلمًا وزورًا فإن جهنم تنتظره وأشباهه من المستكبرين، وأما من أخلص التقوى للَّه وصدق رسوله فلهم جزاء الضعف في الجنات وهم في الغرفات آمنون. أليس اللَّه يكفي من توكل عليه وأخلص العبادة له فلا تخف يا محمد من أصنامهم التي يخوفونك بها فإنما هي حجارة تبول عليها الطيور فإن اللَّه عزيز ذو انتقام. وليتهم يراجعون عقولهم إذ أقروا بالخلق للَّه ثم هم يدعون مخلوقات من دونه، وليتهم راجعوا أفئدتهم إذا مسّهم الضر فلمن يجأرون، الحجارة لا تسمع ولا تشاركهم نحيبهم ولا تواسيهم مصابهم أم إلى اللَّه الذي امتلأت النفوس من رهبته والتعلق برحمته ورجاء الفرج والمخرج من عنده فهو اللَّه العظيم عليه يتوكل المتوكلون. فاعملوا على طريقتكم فكل يعمل على شاكلته ثم مَرَدُّنا إلى اللَّه فسيرى كُلٌ مصير الآخر وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون. فإلى تفصيل ذلك:

طور بواسطة نورين ميديا © 2015