حرّي وبعد قعري وعظم جمري فعجل عليَّ بأهلي. وقال سبحانه {وَالْمَلَائِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِنْ كُلِّ بَابٍ (23) سَلَامٌ عَلَيْكُمْ بِمَا صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ}] (?). فال ابن القيم في حادي الأرواح: (ففي هذا الحديث طلب الجنة أهلها وكذلك النار).
وقوله: {تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ}. قال ابن جرير: (لكن الذين اتقوا ربهم بأداء فرائضه واجتناب محارمه لهم في الجنة غرف من فوقها غرف مبنية علاليّ بعضها فوق بعض تجري من تحت أشجار جناتها الأنهار).
وقال ابن كثير: (تسلك الأنهار بين خلال ذلك كما يشاؤون وأين أرادوا).
وقال القرطبي: ({تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ} أي هي جامعة لأسباب النزهة).
وقوله: {وَعْدَ اللَّهِ لَا يُخْلِفُ اللَّهُ الْمِيعَادَ} في محل نصب، والتقدير: وعدهم اللَّه ذلك وعدًا. قال القرطبي: (ويجوز الرفع بمعنى ذلك وعد اللَّه). أي ما ذكره سبحانه وعد وعده عباده المؤمنين وهو سبحانه لا يخلف وعده، كما قال في سورة النساء {وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ حَدِيثًا}، وكما قال {وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ قِيلًا} فهو وعد للفريقين سيعاينونه.
وبنحوه في مسند الإمام أحمد وسنن ابن ماجة وصحيح ابن حبان عن صهيب مرفوعًا [إذا دخل أهل الجنة الجنة، وأهل النار النار، نادى مناد: يا أهل الجنة إنّ لكم عند اللَّه موعدًا يريدُ أن ينجزكمُوهُ، فيقولون: وما هو؟ ألم يثقِّلِ اللَّه موازيننا ويُبَيِّض وجوهنا، ويُدخلنا الجنة، وينجنا من النار؟ فَيُكْشَفُ الحجابُ، فينظرون إليه فواللَّه ما أعطاهم اللَّه شيئًا أحبَّ إليهم من النظر إليه ولا أقرَّ لأعينهم] (?).
فهلمّ إخوة الدين والإيمان إلى جنة عرضها السماوات والأرض، فيها غرف مبنية بعضها فوق بعض، تجري من تحت ظلالها وأشجارها الأنهار، وعدها اللَّه الذين آمنوا وأخلصوا دينهم له، وجاهدوا في سبيله وتحاكموا إلى شرعه ومنهاجه، وأقاموا الدين في حياتهم وعظموا حرمات ربهم، وعد اللَّه لا يخلف اللَّه الميعاد.
وقوله تعالى: {أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَسَلَكَهُ يَنَابِيعَ فِي الْأَرْضِ ثُمَّ يُخْرِجُ بِهِ زَرْعًا مُخْتَلِفًا أَلْوَانُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرَاهُ مُصْفَرًّا ثُمَّ يَجْعَلُهُ حُطَامًا إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِأُولِي الْأَلْبَابِ}.