يغشاهم الذل من كل مكان، يُساقون إلى سجنٍ في جهنم يسمى بولس، تعلوهم نار الأنيار، يُسْقون من عُصارة أهل النار طينةِ الخبال] (?).
وقوله: {ذَلِكَ يُخَوِّفُ اللَّهُ بِهِ عِبَادَهُ} فيه ثلاثة أقوال:
القول الأول: المراد بالعباد: الأولياء، كما قال ابن عباس: ({ذَلِكَ يُخَوِّفُ اللَّهُ بِهِ عِبَادَهُ} قال: أولياءَه).
القول الثاني: المراد بالعباد مؤمنهم وكافرهم. وهو الراجح في الآية كما قال الزمخشري: (وهذه عظة من اللَّه تعالى، ونصيحة بالغة).
القول الثالث: قيل بل هو خاص بالكفار. ذكره القرطبي.
قلت: فالكل محتاج إلى تخويف اللَّه له، والكل مفتقر إلى تقواه وخشيته، لذلك قال: {يَاعِبَادِ فَاتَّقُونِ}. أي فاتقون بتعظيمي وإجلالي، واتقون بأداء فرائضي واجتناب معاصيّ، حتى تنجو من عذابي وسخطي، وتسعدوا في دار المأوى والنعيم جنتي.
وقوله تعالى: {وَالَّذِينَ اجْتَنَبُوا الطَّاغُوتَ أَنْ يَعْبُدُوهَا وَأَنَابُوا إِلَى اللَّهِ لَهُمُ الْبُشْرَى فَبَشِّرْ عِبَادِ}. في قوله {الطَّاغُوتَ} معان متقاربة:
المعنى الأول: الطاغوت: هو الشيطان. فعن مجاهد (قوله {وَالَّذِينَ اجْتَنَبُوا الطَّاغُوتَ} قال: الشيطان). وقال ابن زيد: (الشيطان هو هاهنا واحد وهي جماعة). فهو على قوله واحد مؤنث لذا قيل أن يعبدوها. قال ابن جرير: وقيل إنما أنثت لأنها في معنى الجماعة.
المعنى الثاني: الطاغوت هي الأوثان. قال الضحاك: (الطاغوت: هو الأوثان).
المعنى الثالث: الطاغوت هو الكاهن. قيل هو اسم أعجمي مثل طالوت وجالوت وهاروت وماروت ومعناه الكاهن، ذكره القرطبي.
المعنى الرابع: الطاغوت اسم عربي مشتق من الطغيان. قال النسفي: (فعلوت من الطغيان كالملكوت والرحموت، إلا أن فيها قلبًا بتقديم اللام على العين).
قلت: والراجح لديَّ أن الطاغوت مشتق من الطغيان وهو مجاوزة الحد. وقد أُثِر عن عمر بن الخطاب قوله: (الطاغوت: الشيطان). وعن جابر قوله: (الطواغيت كهان كانت تنزل عليهم الشياطين). والأعمّ من هذا: أن الطاغوت هو كل ما عبد من دون اللَّه أو صرفت له العبادة، وكل من دعا إلى عبادة نفسه وتعظيمها، وكل من حكم بغير شرع