كانوا في الجاهلية قبل البعثة يقولون: لو كان عندنا كتاب من السماء كالتوراةِ والإنجيل أو أتانا نبي مثل ما أتى اليهود والنصارى لَكُنَّا الذين سموا في العبادة والطاعةِ والإخلاص بين العالمين، فها هو النبي قد جاءكم من أنفسكم عزيز عليه ما عنتم حريص عليكم بالمؤمنين رؤوف رحيم، فكفرتم بهِ وآثرتم سبيل الشياطين، فسوف تعلمون خزيَ هذا التناقض والكذب منكم يوم تُكْسَرون في الدنيا ويوم تبعثون، فلقد مضى منا القول لعبادنا المؤمنين، بأنهم هم المنصورون والغالبون، فلا تحزن يا محمد وطمئن أصحابكَ فإن يومَ بدر قادم قريب وسوف يبصرون، حين لا ينفعهم البصر وقد أسرفوا على أنفسهم وكذبوا المرسلين، وكفروا بخاتم النبيين، وبالقرآن آخر كتاب من الله إلى العالمين، ثم هم يوم القيامةِ يقفون بين يدي الله خزايا نادمين، يبصرون ما ضيّعوا وكانوا يقولون مستهزئين، أين العذاب ائتنا به فقد أخذهم العذاب ونزل بساحتهم فجأة فدَكَّهم الصحابة يوم بدر في التراب خانعين، فاطمئن وأصحابك يا محمد واصبر فسوف تبصر مصرع هؤلاء المجرمين. سبحان ربك يا محمد ذي العزةِ والكبرياء والجبروت والملكوت الجبار العظيم، والسلامُ عليك وعلى إخوانك الذين سبقوك في هذا المنهج الكريم، وقد صبروا على أقوامهم الذين وصفوا الله بالنقائص والعيوب فانْتَصرَ الأنبياءُ والرسل لله العزيز الحكيم، ووصفوا الله بما يليقُ بجلالهِ وكماله وكما وصف نفسه ورضي أن يوصف به سبحانه هو الرحمن الرحيم، فسلام عليكَ يا محمد وعلى الرسل والأنبياء أجمعين، والحمدُ لله رب العالمين.

فإلى تفصيل ذلك:

قوله تعالى: {فَاسْتَفْتِهِمْ أَلِرَبِّكَ الْبَنَاتُ وَلَهُمُ الْبَنُونَ}. هو كقوله سبحانه في آيةِ الإسراء: {أَفَأَصْفَاكُمْ رَبُّكُمْ بِالْبَنِينَ وَاتَّخَذَ مِنَ الْمَلَائِكَةِ إِنَاثًا إِنَّكُمْ لَتَقُولُونَ قَوْلًا عَظِيمًا} [الإسراء: 40].

فالمراد: سَلْ يا محمد أهل مكة، وذلكَ أن جُهَيْنَةَ وخُزاعة وبني سلمة وبني مُلَيْح وعبد الدار زعموا زورًا وبهتانًا أن الملائكة بنات الله، فوبّخَهم الله بهذا السؤال وعاب عليهم بشاعة تفكيرهم وقباحته إذ ينسبون لأنفسهم ما يشتهون - وهم الذكور - وينسبون ما يعيبهم لله تعالى. كما قال سبحانه يصفهم في سورة النحل: {وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِالْأُنْثَى ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا وَهُوَ كَظِيمٌ} [النحل: 58]. فسلهم يا محمد: {أَلَكُمُ الذَّكَرُ وَلَهُ الْأُنْثَى (21) تِلْكَ إِذًا قِسْمَةٌ ضِيزَى} [النجم: 21 - 22] وهو سؤال توبيخ وإنكار.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015