وقوله تعالى: {إِنَّا جَعَلْنَاهَا فِتْنَةً لِلظَّالِمِينَ (63) إِنَّهَا شَجَرَةٌ تَخْرُجُ فِي أَصْلِ الْجَحِيمِ}.
قال قتادة: (لما ذكر شجرة الزقوم افتتن الظلمة فقالوا ينبئكم صاحبكم هذا أن في النار شجرة، والنار تأكل الشجر، فأنزل الله ما تسمعون: {إِنَّهَا شَجَرَةٌ تَخْرُجُ فِي أَصْلِ الْجَحِيمِ} غذيت بالنار ومنها خلقت). قال ابن كثير: (ومعنى الآية: إنما أخبرناك يا محمد بشجرة الزقوم اختبارًا نختبر به الناس مَن يصدق منهم ممن يكذب).
وعن السَّدي، قال: (قال أبو جهل لما نزلت: {إِنَّ شَجَرَتَ الزَّقُّومِ} قال: تعرفونها في كلام العرب أنا آتيكم بها، فدعا جارية فقال: ائتيني بتمر وزُبْد، فقال: دونكم تَزَقَّموا، فهذا الزقوم الذي يخوفكم به محمد، فأنزل الله تفسيرها: {أَذَلِكَ خَيْرٌ نُزُلًا أَمْ شَجَرَةُ الزَّقُّومِ (62) إِنَّا جَعَلْنَاهَا فِتْنَةً لِلظَّالِمِينَ}. قال: لأبي جهل وأصحابه).
أي: سيتزقم أبو جهل الزقوم مزيجًا بالحميم والصديد كما كان يتزقم التمر بالزبد في الدنيا.
وعن مجاهد: ({إِنَّا جَعَلْنَاهَا فِتْنَةً لِلظَّالِمِينَ} قال: قول أبي جهل إنما الزقزم التمر والزبد أتزقَّمه).
فجعلها سبحانه فتنة للمشركين لما استبعدوا الأمر بعقولهم فقالوا: كيف يكون في النار شجرة، والنار تحرق الشجر، وذلك كما استبعدوا قبل ذلك قبول خلق الأغلال والقيود والحيات والعقارب وخزنة النار في جهنم، فحمل هذا الاستبعاد من جاء بعدهم من أهل الرأي والفلسفة والتحاكم للعقل فوق الوحي أن صرفوا الجَنَّة والنار إلى نعيم أو عقاب تتخلله الأرواح، وَزَوَّرُوا حقائق الغيب لتتلاءم وقصر عقولهم وضيق نفوسهم وآفاقهم، مشككين فيما أجمعت عليه الأمة الذي لا يجوز تأويله بل التسليم للوحي فيه.
وقيل بل المعنى بقوله: {فِتْنَةً لِلظَّالِمِينَ} أي عقوبة لهم على ما كذبوا وعاندوا، كقوله: {ذُوقُوا فِتْنَتَكُمْ هَذَا الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تَسْتَعْجِلُونَ (14)} [الذاريات: 14]. فنسأل الله الثبات على الإيمان بالغيب وتعظيم الوحي، وأن ينوِّر عقولنا سبحانه بنور هذا الوحي حتى يصدر عنها الفهم المنير المستقيم الذي لا يختلط بالأقيسة العقلية الفاسدة أو الحيل الشيطانية المختلفة، والله الموفق.
والخلاصة: أنَّها - أي شجرة الزقوم - شجرة تخرج في قعر جهنم ثم تتفرع فيها، {طَلْعُهَا كَأَنَّهُ رُءُوسُ الشَّيَاطِينِ} - أي ثمرها شبه في قبحه برؤوس الشياطين.