الهوى والدنيا، فآثر الآخرة على الملذات الفانية، فاليوم يقول: {إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ}.
وقوله تعالى: {لِمِثْلِ هَذَا فَلْيَعْمَلِ الْعَامِلُونَ}. فيه أكثر من تأويل:
التأويل الأول: أنَّه من قول المؤمن، وهو مناسب للسياق، لما رأى ما أعدَّ الله له في الجَنَّة فقال: لمثل هذا النعيم والفوز والفضل والعطاء ليعمل العاملون في الدنيا ليصيروا إليه في الآخرة.
التأويل الثاني: قيل هو من قول الملائكة.
التأويل الثالث: قيل بل هو من قول الله عز وجل لأهل الدنيا، أي: قد سمعتم عن كرامة المؤمنين في الجَنَّة وما يلقونه من الحفاوة والتكريم والتلذذ بالخيرات والنساء وألوان الطعام والشراب والثياب، فليعمل عامل أراد وأحب مثل هذا المصير يوم القيامة.
قلت: وكلها معان يحتملها البيان الإلهي وهي من جنس اختلاف التنوع لا التضاد، مفادها أن الفوز العظيم في الجَنَّة لمن استقام على الحق ودافع عنه، ومضى على منهاج النبوة معظمًا الوحي والحق وداعيًا إليه.
وقوله: {أَذَلِكَ خَيْرٌ نُزُلًا}.
قال بعض أهل اللغة: النُّزْل: ما يُهَيَّأُ للنزيل، والجمع أنْزال. والنُّزُلُ والنُّزل لغتان، والمعنى هنا: الفضل والضيافة والعطاء. وفي التنزيل: {جَنَّاتُ الْفِرْدَوْسِ نُزُلًا} [الكهف: 107].
قال الأخفش: (هو من نزول الناس بعضهم على بعض. يقال: ما وَجْدَنا عندكم نُزُلا).
وقال النحاس: (والنُّزُل في اللغة الرزق الذي له سعة). ويقال: أقيم للقوم نُزُلهم.
وأصله الغِذاء الذي يصلح أن ينزلوا معه ويقيموا فيه.
وقوله: {شَجَرَةُ الزَّقُّومِ}. قال القرطبي: (وشجرة الزقوم مشتقة من التزقم وهو البلع على جهد لكراهتها ونَتْنِها).
والمعنى: فهل نعيم الجَنَّة وما فيها من ملاذ الطعام والشراب خيرٌ ضيافة ورزقًا واستقبالًا وعطاء أم شجرة الزقوم طعام أهل النار؟ !