وقوله: {وَرَدَّ اللَّهُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِغَيْظِهِمْ لَمْ يَنَالُوا خَيْرًا}. قال مجاهد: (الأحزاب).

وقال قتادة: (وذلكَ يوم أبي سفيان والأحزاب، ردّ الله أبا سفيان وأصحابهُ بغيظهم لم ينالوا خيراّ {وَكَفَى اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ الْقِتَالَ} بالجنود من عنده، والريح التي بعث عليهم).

وفي سنن النسائي بسند صحيح عن عبد الرحمن بن أبي سعيد عن أبيهِ قال: [شغلنا المشركون يوم الخندق عن صلاة الظهر حتى غربت الشمسُ وذلكَ قبل أن ينزل في القتال ما نزل الله عز وجل: {وَكَفَى اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ الْقِتَالَ} فأمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بلالاّ فأقامَ لِصلاةِ الظهر فصلاها كما كانَ يصليها لوقتها، ثم أقام للعصر فصلاها كما كان يصليها في وقتها، ثم أذَّنَ المغرب فصلَّاها كما كان يصليها في وقتها] (?).

فقوله: {وَكَفَى اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ الْقِتَالَ} - إذ لم يحتاجوا إلى منازلة عدوهم ومبارزتهم، بل تكفّل اللهُ تعالى إجلاءهم عن بلادهم وردّهم أذلاء صاغرين. وكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قد باتَ يصلي ويجأر إلى الله تعالى بالدعاء، وكان من دعائهِ كما روى الإمام مسلم: [اللهم منزل الكتاب، سريع الحساب، اهزم الأحزاب. اللهم اهزمهم وزلزلهم] (?).

وقد استجاب اللهُ دعاء نبيهِ - صلى الله عليه وسلم - فأرسل ريح الصبا وحمَّلها نصر جنده، فاقتلعت خيام الأحزاب، وكفأت قدورهم وأطفات نيرانهم ودفنت رحالهم. فخرج المسلمون من الحصار فرحين يلهجون بالتكبيرِ وحمد الله، وهم يرون قوافل جيوش الكفر والأحزاب تشق طريق الصحراء، وقد انفضت عن أرض المعسكر تشتد انسحابًا وهربًا من كل جانب.

يروي البخاري في صحيحه عن سليمان بن صرد رضي اللهُ عَنْهُ قال: [قال النبي - صلى الله عليه وسلم - يومَ الأحزاب: نغزوهم ولا يَغزوننا]. وفي رواية: [الآن نغزوهم ولا يغزونا، نحنُ نسير إليهم] (?).

قلت: والحديث تصديق لإشارة الآية الكريمة: {وَكَفَى اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ الْقِتَالَ}. فقد

طور بواسطة نورين ميديا © 2015