وقوله تعالى: {وَمَا كُنْتَ تَتْلُو مِنْ قَبْلِهِ مِنْ كِتَابٍ وَلَا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ إِذًا لَارْتَابَ الْمُبْطِلُونَ}.
أي: وقد عَرَفَ قومك -يا محمد- أنك أمِّي لمْ تَقْرأ كتابًا ولم تكتب -قبل مجيئك بهذا القرآن- ولو كنت معروفًا بإحسانك القراءة والكتابة لارتاب بعض الجهلة من الناس فقالوا: إنما تَعَلّمَ هذا من كتب الأوائل مما أثِر عن الأنبياء وأتباعهم.
فعن ابن عباس: ({وَمَا كُنْتَ تَتْلُو مِنْ قَبْلِهِ مِنْ كِتَابٍ وَلَا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ إِذًا لَارْتَابَ الْمُبْطِلُونَ} قال: كان نبي الله - صلى الله عليه وسلم - أُمِّيًّا لا يقرأ شيئًا ولا يكتب).
وقال قتادة: (كان نبي الله لا يقرأ كتابًا قبله، ولا يخطه بيمينه، قال: كان أُمِّيًا، والأمِّي: الذي لا يكتب. {إِذًا لَارْتَابَ الْمُبْطِلُونَ} قال: إذن لقالوا: إنما هذا شيء تَعَلَّمَهُ محمد - صلى الله عليه وسلم - وكتبَهُ). وعن مجاهد: {إِذًا لَارْتَابَ الْمُبْطِلُونَ} قال: قريش).
وقوله: {بَلْ هُوَ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ فِي صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ} قوله. قال الحسن: (القرآن آيات بينات في صدور الذين أوتوا العلم، يعني المؤمنين). فالمقصود: القرآن.
قال القرطبي: (يعني القرآن. أي: ليس هذا القرآن كما يقوله المبطلون من أنه سحر أو شعر، ولكنه علامات ودلائل يعرف بها دين الله وأحكامه. وهي كذلك في صدور الذين أوتوا العلم، وهم أصحاب محمد - صلى الله عليه وسلم - والمؤمنون به، يحفظونه ويقرؤونه. ووصفهم بالعلم لأنهم ميّزوا بأفهامهم بين كلام الله وكلام البشر والشياطين). وقال ابن كثير: (أي: هذا القرآن آيات بَيِّنَةٌ واضحة في الدلالة على الحق، أمرًا ونهيًا وخبرًا، يحفَظُهُ العلماءُ، يَسَّرَهْ الله عليهم حفظًا وتلاوة وتفسيرًا، كما قال تعالى: {وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ (17)} [القمر: 17]). ثم ذكر الحديث: "لو كان القرآن في إهاب ما أحرقته النار" (?). قال: (لأنه محفوظ في الصدور، مُيَسَّرٌ على الألسنة، مُهَيْمِنٌ على القلوب، معجز لفظًا ومعنى. ولهذا جاء في الكتب المتقدمة، في صفة هذه الأمة: أنَاجِيلُهم في صُدُورهم).
وقوله: {وَمَا يَجْحَدُ بِآيَاتِنَا إِلَّا الظَّالِمُونَ}.
أي: ما يكذب بآيات هذا الوحي العظيم، وصدق نبوة هذا النبي الكريم، إلا القوم الظالمون: المعتدون المكابرون.