فَهَلْ نَجْعَلُ لَكَ خَرْجًا عَلَى أَنْ تَجْعَلَ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ سَدًّا (94) قَالَ مَا مَكَّنِّي فِيهِ رَبِّي خَيْرٌ فَأَعِينُونِي بِقُوَّةٍ أَجْعَلْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ رَدْمًا (95) آتُونِي زُبَرَ الْحَدِيدِ حَتَّى إِذَا سَاوَى بَيْنَ الصَّدَفَيْنِ قَالَ انْفُخُوا حَتَّى إِذَا جَعَلَهُ نَارًا قَالَ آتُونِي أُفْرِغْ عَلَيْهِ قِطْرًا (96) فَمَا اسْطَاعُوا أَنْ يَظْهَرُوهُ وَمَا اسْتَطَاعُوا لَهُ نَقْبًا (97) قَالَ هَذَا رَحْمَةٌ مِنْ رَبِّي فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ رَبِّي جَعَلَهُ دَكَّاءَ وَكَانَ وَعْدُ رَبِّي حَقًّا (98) وَتَرَكْنَا بَعْضَهُمْ يَوْمَئِذٍ يَمُوجُ فِي بَعْضٍ وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَجَمَعْنَاهُمْ جَمْعًا (99)}.

في هذه الآيات: وصول ذي القرنين إلى منطقة بين السدين، وقصة استجارة القوم به من فساد يأجوج ومأجوج، وتفصيل بنائه السد الذي يحجبهم عن الناس إلى يوم ميعاد خروجهم آخر الزمان بإذن الله.

فقوله تعالى: {ثُمَّ أَتْبَعَ سَبَبًا (92) حَتَّى إِذَا بَلَغَ بَيْنَ السَّدَّيْنِ وَجَدَ مِنْ دُونِهِمَا قَوْمًا لَا يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ قَوْلًا}. أي: ثم سار ذو القرنين فسلك طرقًا ومنازل من مشارق الأرض حتى بلغ بين السدين. قال ابن كثير: (وهما جبلان متناوحان بينهما ثُغْرَةٌ يخرج منها يأجوج ومأجوج على بلاد الترك، فيعيثون فيهم فسادًا، ويُهلكون الحرث والنسل). وعن قتادة: ({حَتَّى إِذَا بَلَغَ بَيْنَ السَّدَّيْنِ} وهما جبلان). قال ابن جرير: ({وَجَدَ مِنْ دُونِهِمَا قَوْمًا لَا يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ قَوْلًا} يقول عز ذكره: وجد من دون السدين قومًا لا يكادون يفقهون قول قائل سوى كلامهم).

وقوله تعالى: {قَالُوا يَاذَا الْقَرْنَيْنِ إِنَّ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ مُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ فَهَلْ نَجْعَلُ لَكَ خَرْجًا عَلَى أَنْ تَجْعَلَ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ سَدًّا}.

قرأ عاصم والأعرج {يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ}، وأما قراء الحجاز والعراق فقرؤوا: "ياجوج وماجوج" بغير همز. وهما قراءتان معروفتان في الأمصار. ويأجوج ومأجوج قوم من نسل نوح عليه الصلاة والسلام من أولاد يافث، تُركوا وراء السد الذي بناه ذو القرنين.

والخلاصة: إنه لما وصل ذو القرنين {بَيْنَ السَّدَّيْنِ} - وهما جبلان بينهما ثغرة، يخرج منهما يأجوج ومأجوج فيعيثون فيها فسادًا - وجد العبد الصالح في رحلته في تلك الأرجاء قومًا لا يكادون يفقهون قولًا لاستعجام لسانهم وبعدهم عن الناس، وشكوا إليه أمر فساد هؤلاء القوم يأجوج ومأجوج، فقالوا له: {يَاذَا الْقَرْنَيْنِ إِنَّ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ مُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ فَهَلْ نَجْعَلُ لَكَ خَرْجًا} - قال ابن عباس: (أجرًا عظيمًا) - {عَلَى أَنْ تَجْعَلَ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ سَدًّا} فتحجبهم عنا وتخلصنا من سوئهم وشرورهم، وكان الله سبحانه قد أعطى

طور بواسطة نورين ميديا © 2015