الْبَحْرِ عَجَبًا (63) قَالَ ذَلِكَ مَا كُنَّا نَبْغِ فَارْتَدَّا عَلَى آثَارِهِمَا قَصَصًا (64) فَوَجَدَا عَبْدًا مِنْ عِبَادِنَا آتَيْنَاهُ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنَا وَعَلَّمْنَاهُ مِنْ لَدُنَّا عِلْمًا (65)}.
في هذه الآيات: ذِكْرُ قصة لقاء موسى عليه الصلاة والسلام بالخضر، وما كان من ترتيب لذلك اللقاء بإذن الله، وإنما دفع موسى لهذا اللقاء حرصه على جمع خصال الخير والسبق إلى المعالي، وطلب العلم، والله هو العليم الحكيم.
أخرج الحاكم بسند صحيح على شرط مسلم عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: حدثني أبي بن كعب، أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: [لما لقِيَ موسى الخَضِرَ عليهما السلام، جاء طَيْرٌ، فألقى مِنْقارَهُ في الماء، فقال الخَضِرُ لموسى: تَدْري ما يقولُ هذا الطَّيْر؟ قال: وما يقول؟ قال: يقول: ما عِلْمُكَ وعلمُ موسى في علم الله إلا كما أخذ منقاري من الماء] (?).
فقوله: {وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِفَتَاهُ لَا أَبْرَحُ حَتَّى أَبْلُغَ مَجْمَعَ الْبَحْرَيْنِ}.
قال ابن زيد: (لا أبرح: لا أنتهي). وقال قتادة: (والبحران: بحر فارس وبحر الروم. وبحر الروم مما يلي المغرب، وبحر فارس مما يلي المشرق). وقال محمد بن كعب القُرَظي: (مجمع البحرين عند طنجَةَ). أي في أقصى بلاد المغرب، والله تعالى أعلم.
وإنما مفهوم الآية: أن موسى عليه السلام قال لفتاه - يوشع بن نون -: لا أزال سائرًا حتى أبلغ هذا المكان الذي فيه مجمع البحرين، فقد ذُكِرَ لموسى أن فيه عبدًا عنده من العلم ما ليس عند موسى.
وقوله: {أَوْ أَمْضِيَ حُقُبًا}. قال ابن عباس: (دهرًا). وقال قتادة: (الحقب: زمان). وقال ابن زيد: (الحقب: الزمان). وقيل: الحقب سبعون سنة أو ثمانون سنة. والمقصود: أي لا أزال أسير حتى أبلغ ذلك المكان، ولو أني أسير حقبًا من الزمان. قال القاسمي: (أي لا أزال أسير حتى أبلغ مجمع البحرين. أي المكان الذي فيه ملتقى البحرين. فأجد فيه الخضر. أو أسير زمانًا طويلًا إن لم أجده ثمة، فأتيقن فوات المطلب).