إرشادٌ من الله سبحانه لرسوله - صلى الله عليه وسلم - وأمته من باب الأولى - الأدب فيما يُعزم عليه من الفعل في المستقبل، وذلك برد المشيئة دومًا إلى علام الغيوب تبارك وتعالى. قال القرطبي: (فإنه إذا قال: لأفعلن ذلك ولم يفعل كان كاذبًا، وإذا قال: لأفعلن ذلك إن شاء الله خرج عن أن يكون محقّقًا للمخبر عنه).

وفي الصحيحين عن أبي هريرة مرفوعًا: [قال سليمانُ بن داودَ عليهما السلام: لأطوفَنَّ الليلة بمئة امرأة، تَلِدُ كُلُّ امرأة غلامًا يقاتل في سبيل الله. فقال له المَلَكُ: قُلْ: إنْ شاءَ الله، فلم يقل ونسِيَ، فأطافَ بِهنَّ، ولم تَلِدْ مِنْهُنَّ إلا امرأةٌ نِصْفَ إنسان. قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: لو قال إنْ شاءَ الله، لمْ يحنَثْ، وكانَ أرْجَى لحاجته] (?).

وفي لفظ مسلم: [فلم تحمِلْ منهن إلا امرأة واحدة، فجاءت بشق رجل، وَايْمُ الذي نفس محمد بيده! لو قال: إن شاء الله، لجاهدوا في سبيل الله فُرْسَانًا أجمعون].

وفي لفظ آخر: [فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: لو كان استثنى، لولدت كُلُّ واحدةٍ منهن غلامًا فارسًا، يُقاتِل في سبيل الله].

وفي سنن أبي داود بإسناد صحيح عن ابن عمر، يبلغ به النبي - صلى الله عليه وسلم -، قال: [مَنْ حَلَفَ على يمينٍ، فقال: إن شاء الله فقد استثنى] (?).

وله شاهد عنده عنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: [مَنْ حَلَفَ فاستثنى، فإن شاء رَجَعَ، وإن شاء ترك غيرَ حِنْثٍ].

وقوله: {وَاذْكُرْ رَبَّكَ إِذَا نَسِيتَ} - أمر بالذكر بعد النسيان.

قال الحسن: (إذا ذكر أنه لم يقل: إن شاء الله، فليقل: إن شاء الله).

وقال عكرمة: (اذكر ربك إذا عصيت).

قلت: فإن صح تفسير الحسن فهو خاص بالنبي - صلى الله عليه وسلم -، وإلا فالاستثناء المفيد لا يصح إلا متصلًا في مجلس الذكر. والأولى حمل الآية على ذكر الله تعالى الذي يطرد الشيطان، وذلك أن منشأ النسيان من الشيطان، كما في التنزيل: {وَمَا أَنْسَانِيهُ إِلَّا

طور بواسطة نورين ميديا © 2015