قلت: وكلها أقوال متكاملة، ودلائل قاطعة على صحة نبوته وصِدْقه فيما أخبر به موسى - صلى الله عليه وسلم - عمن أرسله إلى فرعون.

وقوله: {فَاسْأَلْ بَنِي إِسْرَائِيلَ إِذْ جَاءَهُمْ فَقَالَ لَهُ فِرْعَوْنُ إِنِّي لَأَظُنُّكَ يَامُوسَى مَسْحُورًا}.

أي اسأل يا محمد بني إسرائيل (?) إذ جاءهم موسى وذهب إلى فرعون وأظهر آياته ودعاه للإيمان بالله تعالى فاتهمه فرعون بالسحر.

وقوله: {قَالَ لَقَدْ عَلِمْتَ مَا أَنْزَلَ هَؤُلَاءِ إِلَّا رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ بَصَائِرَ}.

أي: قال موسى: لقد علمت يا فرعون ما أنزل هؤلاء الآيات إلا خالق السماوات والأرض حُججًا وأدلة على صدق ما جئتك به، وبينات مكشوفات تؤكد صحة قولي، ولكنك معاند جاحد. كما قال تعالى: {وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ ظُلْمًا وَعُلُوًّا} [النمل: 14].

وقوله: {وَإِنِّي لَأَظُنُّكَ يَافِرْعَوْنُ مَثْبُورًا}. قال ابن عباس: (ملعونًا). أو قال: (يعني: مغلوبًا). وقال مجاهد: (مثبورًا: أي هالكًا). وقال عطية: (مبدّلًا). وقال ابن زيد: (أظنك ليس لك عقل يا فرعون) - أي مخبولًا. وفي لغة العرب: رجل مثبور: أي محبوس عن الخيرات هالك. قال الرازي: (الثبور: الهلاك والخسران).

قلت: فالهالك يشمل كل ما سبق من المعاني والله تعالى أعلم. قال النسفي: (كأنه قال: إن ظننتني مسحورًا فأنا أظنك مثبورًا هالكًا، وظني أصح من ظنك، لأن له أمارة ظاهرة وهي إنكارك ما عرفت صحته ومكابرتك لآيات الله بعد وضوحها، وأما ظنك فكذب بحت).

وقوله تعالى: {فَأَرَادَ أَنْ يَسْتَفِزَّهُمْ مِنَ الْأَرْضِ فَأَغْرَقْنَاهُ وَمَنْ مَعَهُ جَمِيعًا}.

أي: فأراد فرعون أن يُخرج موسى وقومه من أرض مصر، أو ينفيهم عن ظهر الأرض بالقتل والاستئصال، فاستفزه الله إلى البحر هو وجنوده وحاق به مكره، وكان فيه إغراقه مع قبطه.

قال ابن كثير: (وقوله تعالى: {فَأَرَادَ أَنْ يَسْتَفِزَّهُمْ مِنَ الْأَرْضِ}، أي يُجْليَهم منها ويزيلهم عنها، {فَأَغْرَقْنَاهُ وَمَنْ مَعَهُ جَمِيعًا}، وفي هذا بشارة لمحمد - صلى الله عليه وسلم - بفتح مكة مع أن

طور بواسطة نورين ميديا © 2015