وقوله: {وَمَنْ يَهْدِ اللَّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِ وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَنْ تَجِدَ لَهُمْ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِهِ}.
أي: إن مَنْ ينعم بهداية الله له فلا مُضِلّ له، ومن يَشْقى بضلاله إياه - نتيجة استحقاقه ذلك - فلا هادي له.
وفي صحيح مسلم من حديث ابن عباس رضي الله عنهما: [أن ضِمادًا قدم مكة وكان من أزد شنوءة، وكان يرقي من هذه الريح، فسمع سفهاء من أهل مكة يقولون: إن محمدًا مجنون، فقال: لو أني رأيت هذا الرجل لعل الله يشفيه على يديَّ، قال: فلقيه فقال: يا محمد إني أرقي من هذه الريح، وإن الله يشفي على يدي من شاء فهل لك؟ فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: إن الحمد لله، نحمده ونستعينه، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمدًا عبده ورسوله، أما بعد. فقال: أعِدْ علىّ كلماتك هؤلاء، فأعادهن عليه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ثلاث مرات، فقال: لقد سمعت قول الكهنة، وقول السحرة، وقول الشعراء، فما سمعت مثل كلماتك هؤلاء، ولقد بلغن قاموس البحر. فقالما: هات يدك أبايعك على الإسلام، فبايعه، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: وعلى قومك؟ قال: وعلى قومي. .] الحديث (?).
وقوله: {وَنَحْشُرُهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَى وُجُوهِهِمْ عُمْيًا وَبُكْمًا وَصُمًّا مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ كُلَّمَا خَبَتْ زِدْنَاهُمْ سَعِيرًا}. كقوله تعالى: {الَّذِينَ يُحْشَرُونَ عَلَى وُجُوهِهِمْ إِلَى جَهَنَّمَ أُولَئِكَ شَرٌّ مَكَانًا وَأَضَلُّ سَبِيلًا} [الفرقان: 34].
وقوله: {عُمْيًا} أي: لا يبصرون، {وَبُكْمًا} أي: لا ينطقون، {وَصُمًّا}، يعني: لا يسمعون. وذلك مقابلة لهم بالمثل من أحوالهم التي كانوا عليها في الدنيا تجاه الحق، فقد كانوا بكمًا وعميًا وصمًا عن هذا الوحي العظيم، فحشروا على ذلك أحوج ما يحتاجون إلى تلك الحواس. ثم إن منقلبهم ومصيرهم إلى جهنم.
وفي الصحيحين عن أنس رضي الله عنه: [أن رجلًا قال: يا نبي الله! كيف يحشر الكافر على وجهه يوم القيامة؟ قال: أليس الذي أمشاه على الرجلين في الدنيا قادرًا على أن يمشيه على وجهه يوم القيامة] (?).