الحديث الثالث: أخرج الترمذي في جامعه بسند صحيح: [أن النبي - صلى الله عليه وسلم - تلا هذه الآية على عدي بن حاتم: {اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ} [التوبة: 31]. فقال: يا رسول الله، لسنا نعبدهم! قال: أليس يُحلِّون لكم ما حرّم الله فتحلّونه، ويحرِّمون ما أحل الله فتحرّمونه؟ قال: بلى. قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: فتلك عبادتهم] (?).
118 - 119. قوله تعالى: {وَعَلَى الَّذِينَ هَادُوا حَرَّمْنَا مَا قَصَصْنَا عَلَيْكَ مِنْ قَبْلُ وَمَا ظَلَمْنَاهُمْ وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ (118) ثُمَّ إِنَّ رَبَّكَ لِلَّذِينَ عَمِلُوا السُّوءَ بِجَهَالَةٍ ثُمَّ تَابُوا مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ وَأَصْلَحُوا إِنَّ رَبَّكَ مِنْ بَعْدِهَا لَغَفُورٌ رَحِيمٌ (119)}.
في هذه الآيات: استحقاق اليهود التضييق من الله عليهم بما كسبت أيديهم، وفتحه - تعالى - باب التوبة والإنابة للراجعين إليه الراجين رحمته ليعفو عنهم ويتوب عليهم، والله غفور رحيم.
فقوله: {وَعَلَى الَّذِينَ هَادُوا حَرَّمْنَا مَا قَصَصْنَا عَلَيْكَ مِنْ قَبْلُ}. قال الحسن: (في سورة الأنعام). والمقصود قوله تعالى: {وَعَلَى الَّذِينَ هَادُوا حَرَّمْنَا كُلَّ ذِي ظُفُرٍ وَمِنَ الْبَقَرِ وَالْغَنَمِ حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ شُحُومَهُمَا إِلَّا مَا حَمَلَتْ ظُهُورُهُمَا أَوِ الْحَوَايَا أَوْ مَا اخْتَلَطَ بِعَظْمٍ ذَلِكَ جَزَيْنَاهُمْ بِبَغْيِهِمْ وَإِنَّا لَصَادِقُونَ} [الأنعام: 146].
وقوله: {وَمَا ظَلَمْنَاهُمْ وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ}. أي: إنما استحقوا ذلك التضييق بما كسبت أيديهم، فإن الله لا يظلم أحدًا من خلقه، كما قال تعالى: {فَبِظُلْمٍ مِنَ الَّذِينَ هَادُوا حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ طَيِّبَاتٍ أُحِلَّتْ لَهُمْ وَبِصَدِّهِمْ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ كَثِيرًا} [النساء: 160].
وقوله تعالى: {ثُمَّ إِنَّ رَبَّكَ لِلَّذِينَ عَمِلُوا السُّوءَ بِجَهَالَةٍ ثُمَّ تَابُوا مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ وَأَصْلَحُوا إِنَّ رَبَّكَ مِنْ بَعْدِهَا لَغَفُورٌ رَحِيمٌ}.
أي: وأما الذين عصوا الله فجهلوا وركبوا المعصية والآثام، وما يسخط الرحمن، ثم راجعوا طاعة الله وندموا على ما فاتهم واستغفروا وتابوا، وأصلحوا فباشروا عمل