تمكث للناس، {كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ}، يقول: كما مثَّل هذا المثل للإيمان والكفر، كذلك يمثّل الأمثال).
وقوله: {كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ}.
المعنى: هذا مثل ضربه الله للحق وأهله والباطل وحزبه، فمثل الحق وأهله بالماء الذي ينزل من السماء فتسيل به أودية الناس فيحيون به وينفعهم بأنواع المنافع وبالفلز الذي ينتفعون به في صوغ الحلي منه واتخاذ الأواني والآلات المختلفات وذلك ماكث في الأرض باق بقاء ظاهرًا، يثبت الماء في منافعه وكذلك الجواهر تبقى أزمنة متطاولة، وشبه الباطل في سرعة اضمحلاله ووشك زواله بزبد السيل الذي يرمى به، وبزبد الفلز الذي يطفو فوقه إذا أذيب. أفاده النسفي ثم قال: (قال الجمهور: وهذا مثل ضربه الله تعالى للقرآن والقلوب والحق والباطل، فالماء القرآن نزل لحياة الجنان، كالماء للأبدان، والأودية للقلوب، ومعنى بقدرها بقدر سعة القلب وضيقه، والزبد هواجس النفس ووساوس الشيطان، والماء الصافي المنتفع به مثل الحق، فكما يذهب الزبد باطلًا ويبقى صفو الماء كذلك تذهب هواجس النفس ووساوس الشيطان، ويبقى الحق كما هو. وأما حلية الذهب والفضة فمثل للأحوال السنية والأخلاق الزكية، وأما متاع الحديد والنحاس والرصاص فمثل للأعمال الممدة بالإخلاص المعدة للخلاص، فإن الأعمال جالبة للثواب دافعة للعقاب، كما أن تلك الجواهر بعضها أداة النفع للكسب وبعضها آلة الدفع في الحرب، وأما الزبد فالرياء والخلل والملل والكسل).
قلت: وفي القرآن كثير من ضرب الأمثال للحق والباطل، والإخلاص والنفاق، والإيمان والكفر، وغير ذلك.
1 - قال تعالى في وصف المنافقين: {مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ نَارًا فَلَمَّا أَضَاءَتْ مَا حَوْلَهُ ذَهَبَ اللَّهُ بِنُورِهِمْ وَتَرَكَهُمْ فِي ظُلُمَاتٍ لَا يُبْصِرُونَ} [البقرة: 17].
2 - وقال تعالى في نعتهم أيضًا: {أَوْ كَصَيِّبٍ مِنَ السَّمَاءِ فِيهِ ظُلُمَاتٌ وَرَعْدٌ وَبَرْقٌ يَجْعَلُونَ أَصَابِعَهُمْ فِي آذَانِهِمْ مِنَ الصَّوَاعِقِ حَذَرَ الْمَوْتِ وَاللَّهُ مُحِيطٌ بِالْكَافِرِينَ} [البقرة: 19].
3 - وقال جل وعز في نعت الكافرين: {وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَعْمَالُهُمْ كَسَرَابٍ بِقِيعَةٍ يَحْسَبُهُ الظَّمْآنُ مَاءً حَتَّى إِذَا جَاءَهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئًا وَوَجَدَ اللَّهَ عِنْدَهُ فَوَفَّاهُ حِسَابَهُ وَاللَّهُ سَرِيعُ الْحِسَابِ} [النور: 39].