له، وهو القهار الذي خلق كل شيء وقهره بأمره، فهو وحده المستحق للتأليه والعبادة.
وقوله: {أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَسَالَتْ أَوْدِيَةٌ بِقَدَرِهَا}. قال مجاهد: (بقدر ملئها).
وقال ابن جريج: (بقدر صغرها وكبرها).
قال القاسمي: ({أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ} أي المزن {مَاءً} أي مطرًا {فَسَالَتْ أَوْدِيَةٌ بِقَدَرِهَا} أي: بمقدار ملئها في الصغر والكبر، أي أخذ كل واحد بحسبه، فهذا كبير وسع كثيرًا من الماء، وهذا صغير وسع بقدره). وقال ابن كثير: (وهو إشارة إلى القلوب وتفاوتها، فمنها ما يَسَعُ علمًا كثيرًا، ومنها ما لا يَتَّسِعُ لكثير من العلوم بل يضيق عنها).
وقوله: {فَاحْتَمَلَ السَّيْلُ زَبَدًا رَابِيًا وَمِمَّا يُوقِدُونَ عَلَيْهِ فِي النَّارِ ابْتِغَاءَ حِلْيَةٍ أَوْ مَتَاعٍ زَبَدٌ مِثْلُهُ}.
يشتمل على مثلين اثنين ضربهما الله مثلًا للحق والباطل. فالمثل الأول: {فَاحْتَمَلَ السَّيْلُ زَبَدًا رَابِيًا} - أي فَعَلا المَاءُ زبدٌ في تلك الأودية. والمثل الثاني: {وَمِمَّا يُوقِدُونَ عَلَيْهِ فِي النَّارِ} مما يسبك فيها من الذهب أو الفضة {ابْتِغَاءَ حِلْيَةٍ} ومن نحاس أو حديد فإنه يعلوه زبدٌ أيضًا. وكلا الزَّبَدين يضمحل بسرعة ويتلاشى. وكذلك الباطل في اضمحلاله وفنائه، والحق في ثباته وبقائه.
وقوله: {كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ الْحَقَّ وَالْبَاطِلَ فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً وَأَمَّا مَا يَنْفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الْأَرْضِ}.
قال ابن عباس: (قوله {أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَسَالَتْ أَوْدِيَةٌ بِقَدَرِهَا}، فهذا مثل ضربه الله، احتملت منه القلوب على قدر يقينها وشكّها. فأما الشك فلا ينفع معه العمل، وأما اليقين فينفع الله به أهله، وهو قوله: {فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً}، وهو الشك، {وَأَمَّا مَا يَنْفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الْأَرْضِ}، وهو اليقين، كما يُجْعل الحَلْيُ في النار فيؤخذ خالصُه ويترك خبثه في النار. فكذلك يقبل الله اليقين ويترك الشك).
قال ابن جرير: ({فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً}، يقول: فأما الزبد الذي علا السيل والذهب والفضة والنحاس والرصاص عند الوقود عليها، فيذهب بدفع الرياح وقذف الماء به، وتعلُّقه بالأشجار وجوانب الوادي، وأما ما ينفع الناس من الماء والذهب والفضة والرصاص والنحاس، فالماء يمكث في الأرض فتشربه، والذهب والفضة