الحديث الرابع: أخرج البخاري ومسلم وأحمد وابن ماجه من حديث أبي سعيد - واللفظ لمسلم - أن نبيّ الله - صلى الله عليه وسلم - قال: [كان فيمن كان قبلكم رجلٌ قتَلَ تِسْعَةً وتِسعين نَفْسًا، فسأل عن أعلم أهل الأرض فَدُلَّ علِى راهب، فأتاه فقال: إنه قتل تِسْعَةً وتسعين نَفْسًا، فهل له من توبة؟ فقال: لا، فَقَتَلهُ، فكمَّلَ به مئة، ثم سأل عن أعلم أهل الأرض فَدُلَّ على رجل عالم، فقال: إنه قتل مئة نَفْسٍ، فَهل له من تَوْبة؟ فقال: نعم، وَمَنْ يحول بينَهُ وبينَ التوبة؟ . .] (?) الحديث.
قال القرطبي - يشير إلى الحديث السابق -: (فانظروا إلى قول العابد: لا توبة لك، فلما علم أنه قد أَيْأَسَهُ قَتله، فِعْلَ الآيس من الرحمة. فالتنفير مفسدة للخليقة، والتيسير مصلحة لهم. وروي عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه كان إذا جاء إليه رجل لم يقتل فسأله: هل لقاتل من توبة؟ فيقول: لا توبة، تخويفًا وتحذيرًا. فإذا جاءه مَن قتل فسأله: هل لقاتل من توبة؟ قال له: لك توبة، تيسيرًا وتأليفًا).
وقوله: {وَإِنْ يَعُودُوا فَقَدْ مَضَتْ سُنَّتُ الْأَوَّلِينَ}.
قال مجاهد: (في قريش وغيرها من الأمم قبل ذلك).
والآية تجمع بين الوعيد والتهديد والتمثيل بمن هلك من الأمم الماضية لما طغت فدكّها الله بالعذاب.
قال النسفي: ({فَقَدْ مَضَتْ سُنَّتُ الْأَوَّلِينَ} بالإهلاك في الدنيا والعذاب في العقبى).
والخلاصة في المعنى: أن الكفار إذا انتهوا عن الكفر وأسلموا غفر لهم ما سلف من الكفر والمعاصي، فإن عادوا إلى الكفر ثانية وإلى الإجرام والمكر فإن لهم بسالف الأمم التي دمّر الله عبرة وذكرى للذاكرين.
وقد احتج أبو حنيفة رحمه الله بهذه الآية في أن المرتد إذا أسلم لم يلزمه قضاء العبادات المتروكة.
وقوله: {وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ}.
قال ابن عباس: ({وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ}، يعني: حتى لا يكون شرك).