الله عزة وشوكة بعد معركة بدر، وأغدق عليهم من أموال المشركين ومغانمهم ومن مختلف الأرزاق والنعم لعلهم يشكرون.

ثم يحذرهم سبحانه الخيانة والغلول والتفريط بالأمانة، ومن ذلك التفريط بفرائض الله ومنهاج النبوة وعقد الإيمان والإسلام.

ثم يحذر سبحانه عباده من فتنة المال والولد التي تدعو إلى اللهو والتفريط في إقامة أمر الله ودينه، وأن ما عند الله خير وأبقى وهو الثواب العظيم.

ثم يبين سبحانه سرًا عظيمًا جعله في قلوب عباده المؤمنين إن صدقوا ربهم التقوى، بأن جعل لهم في قلوبهم ميزانًا يميزون به الحق من الباطل حين تشتبه عليهم الأمور، ووعدهم كذلك على التقوى مغفرة لذنوبهم وأجرًا عظيمًا.

فقوله: {وَاذْكُرُوا إِذْ أَنْتُمْ قَلِيلٌ مُسْتَضْعَفُونَ فِي الْأَرْضِ تَخَافُونَ أَنْ يَتَخَطَّفَكُمُ النَّاسُ فَآوَاكُمْ وَأَيَّدَكُمْ بِنَصْرِهِ}.

قال عكرمة: (قوله: {وَاذْكُرُوا إِذْ أَنْتُمْ قَلِيلٌ مُسْتَضْعَفُونَ فِي الْأَرْضِ تَخَافُونَ أَنْ يَتَخَطَّفَكُمُ النَّاسُ}، قال: يعني بمكة، مع النبي - صلى الله عليه وسلم - ومن تبعه من قريش وحلفائها ومواليها قبل الهجرة).

وعن قتادة: (أنها نزلت في يوم بدر، كانوا يومئذ يخافون أن يتخطفهم الناس، فآواهم الله وأيدهم بنصره).

فنزلت هذه الآية إثر الفتح المبين ببدر، الذي تَكَرَّمَ الله به بالنصر والتمكين لهم، يذكرهم سبحانه بالضعف الذي حوّله بقدرته إلى عز وشوكة، وكان من أجمل ما شرع في هذه الأثناء صلاة العيد في المصلى، فقد صلى المسلمون أول صلاة عيد في شوال عقب الموقعة مباشرة سنة 2 هـ، فما أروعه من عيد إثر النصر العظيم ببدر الذي تَوَّج الله به فرحهم، وما أجمل خروجهم إلى صلاة العيد في المصلى وهم يرفعون أصواتهم بالتكبير وقد فاضت قلوبهم بالحمد والإيمان، وما أرهب صلاتهم وقد اصطفوا خلف رسول الله - صلى الله عليه وسلم - صفوفًا منتظمة وكأنهم في ساحة القتال، فنزلت آية الأنفال السابقة يذكرهم فيها سبحانه بالضعف الذي حَوَّلَهُ بقدرته إلى تمكين وعز وقوة وشوكة.

وقوله: {وَرَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ}.

قال ابن جرير: (يقول: وأطعمكم غنيمتهم حلالًا طيبًا، {لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ}، يقول: لكي تشكروه على ما رزقكم وأنعم به عليكم من ذلك وغيره من نعمه عندكم).

طور بواسطة نورين ميديا © 2015