لا يكون لله أبدًا، وأما قسم الله فيمكن أن يكون لشركائهم، فعدلوا بمن خلقهم وأنعم عليهم ما لا يضرهم ولا ينفعهم وفَضَّلوه بالقَسْم قلة أدب منهم، وسوء حكم وضلالة وجهالة. وقد زين لهم الشياطين - إضافة إلى ذلك القَسْم الفاسد وسوء الأدب مع الله تعالى - وأد البنات، ليهلكوهم وليشوهوا عليهم دينهم ولو شاء الله لردّهم عن تلك الأفعال القبيحة المشينة، ولكنه سبحانه خذلهم عن الرشاد، فقتلوا الأولاد، وخضعوا لأهواء الشياطين. ثم كان من هؤلاء المشركين أن حلَّلوا من قبل أنفسهم وحرّموا ما لم يأذن به الله، فجعلوا السائبة والبحيرة والوصيلة وغيرها مما سمّوا لآلهتهم فقالوا نحرم أكلها وظهورها والانتفاع بِرِسْلِها ونِتاجها ونجعلها وقفًا للأصنام، وكذلك حرموا أنعامًا أخر فلا يحجون عليها ولا يذكرون اسم الله عليها إن ركبوها بحال، ولا إن حلبوها، ولا إن حملوا عليها، والله تعالى سيثيبهم جزاء ما كانوا يكذبون. وكذلك قالوا: ما في بطون تلك الأنعام من لبن وجنين حِلٌّ لذكورهم، خالصة، دون إناثهم، فإن كان الذي في بطونها ميتة اشترك في أكله الرجال والنساء، سيجزيهم وصفهم وافتراءهم إنه تعالى حكيم بما سيصنع بهم، عليم باجترائهم التشريع الكذب وتنحية شرعه الحكيم. إن الذين قتلوا أولادهم ظلمًا وسفهًا وتعظيمًا لعادات القوم الجاهلية، وأحلوا وحرموا من عند أنفسهم قد ضلوا وخسروا وما كانوا مهتدين.
فقوله: {وَجَعَلُوا لِلَّهِ مِمَّا ذَرَأَ مِنَ الْحَرْثِ وَالْأَنْعَامِ نَصِيبًا}.
ذمٌّ وتوبيخٌ من الله تعالى للمشركين الذين اختلقوا تشريعًا كذبًا كفرًا وشركًا بالله تعالى. {مِمَّا ذَرَأَ} أي: خلق وبرأ. {نَصِيبًا} يعني: قسمًا وجزءًا. {مِنَ الْحَرْثِ} أي: من الزروع والثمار، {وَالْأَنْعَامِ}.
وقوله: {فَقَالُوا هَذَا لِلَّهِ بِزَعْمِهِمْ وَهَذَا لِشُرَكَائِنَا فَمَا كَانَ لِشُرَكَائِهِمْ فَلَا يَصِلُ إِلَى اللَّهِ وَمَا كَانَ لِلَّهِ فَهُوَ يَصِلُ إِلَى شُرَكَائِهِمْ}.
قال قتادة: (عَمدَ ناس من أهل الضلالة فجزؤوا من حروثهم ومواشيهم جزءًا لله وجزءًا لشركائهم. وكانوا إذا خالط شيء مما جزؤوا لله فيما جزؤوا لشركائهم خلَّوه. فإذا خالط شيء مما جزؤوا لشركائهم فيما جزؤوا لله ردّوه على شركائهم. وكانوا إذا أصابتهم السَّنَةُ استعانوا بما جزؤوا لله، وأقروا ما جزؤوا لشركائهم، قال الله: {سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ}) - أي: ساء ما يقسمون.
وقال ابن عباس: (إن أعداء الله كانوا إذا حَرَثوا حَرْثًا، أو كانت لهم ثمرةٌ، جعلُوا لله منه. جزءًا وللوثن جزءًا، فما كان من حرث أو ثمرة أو شيء من نصيب الأوثان