وكما قال جل ثناؤه: {كُلَّمَا أُلْقِيَ فِيهَا فَوْجٌ سَأَلَهُمْ خَزَنَتُهَا أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَذِيرٌ (8) قَالُوا بَلَى قَدْ جَاءَنَا نَذِيرٌ فَكَذَّبْنَا. .} [الملك: 8، 9]. وكقوله جل ذكره: {رُسُلًا مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ. .} [النساء: 165].

أخرج ابن أبي عاصم في السنة - بسند صحيح على شرط الشيخين - عن المغيرة بن شعبة قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: [لا شخص أغير من الله تعالى، ولا شخص أحب إليه العذر من الله عز وجل، ولأجل ذلك بعث الرسل مبشرين ومنذرين، ولا شخص أحب إليه المدح من الله تعالى، ومن أجل ذلك وعد الجنة] (?).

وأصله في الصحيحين من طريق أبي وائل، ولفظ البخاري - عن عبد الله رضي الله تعالى عنه قال -: [لا أحدَ أغيرُ من الله، ولذلك حرَّم الفواحش، ما ظهر منها وما بطن، ولا شَيْءَ أحبُّ إليه المَدْحُ من الله، ولذلك مَدَحَ نَفْسَه، قلت: سمعتَه من عبدِ الله؟ قال: نعم، قلت: ورَفَعَهُ؟ قال: نعم] (?).

ويحتمل قوله تعالى: {بِظُلْمٍ} وجهين - كما ذكر شيخ المفسرين أبو جعفر بن جرير رحمه الله - أحدهما: ذلك من أجل أن ربك لم يكن ليهلك القرى بظلم أهلها بالشرك ونحوه، وهم غافلون، يقول: لم يكن يعاجلهم بالعقوبة حتى يبعث إليهم رسولًا يُنَبِّهُهُم على حجج الله عليهم، وينذرهم عذاب الله يومَ معادهم، ولم يكن بالذي يؤاخِذهم غفلةً فيقولوا: {مَا جَاءَنَا مِنْ بَشِيرٍ وَلَا نَذِيرٍ} [المائدة: 19].

والوجه الثاني: {ذَلِكَ أَنْ لَمْ يَكُنْ رَبُّكَ مُهْلِكَ الْقُرَى بِظُلْمٍ}، يقول: لم يكن ربك لِيُهْلِكَهُم دون التنبيه والتذكير بالرسل والآيات والعبر، فيظلمهم بذلك، والله غير ظلّام لعبيده.

والوجه الأول من التأويل أقوى، ورجّحه ابن جرير، والحافظ ابن كثير، وغيرهم من المفسرين.

وقوله تعالى: {وَلِكُلٍّ دَرَجَاتٌ مِمَّا عَمِلُوا وَمَا رَبُّكَ بِغَافِلٍ عَمَّا يَعْمَلُونَ}.

قال القرطبي: (أي: ولكل عامل بطاعة درجاتٌ في الثواب. ولكل عامل بمعصية دركاتٌ في العقاب. {وَمَا رَبُّكَ بِغَافِلٍ} أي: ليس بلاهٍ ولا ساهٍ. والغفلة أن يذهب

طور بواسطة نورين ميديا © 2015