قلوب أصحابه خير قلوب العباد، فجعلهم وُزَراء نبيِّه، يقاتلون على دينه، فما رأى المسلمون حسنًا فهو عند الله حسن، وما رأوا سيئًا فهو عند الله سيِّئ] (?).
وقوله: {سَيُصِيبُ الَّذِينَ أَجْرَمُوا صَغَارٌ عِنْدَ اللَّهِ وَعَذَابٌ شَدِيدٌ بِمَا كَانُوا يَمْكُرُونَ}.
قال السدي: (الصغار: الذلة). وقال النسفي: ({صَغَارٌ} ذل وهوان {عِنْدَ اللَّهِ} في القيامة {وَعَذَابٌ شَدِيدٌ} في الدارين من القتل والأسر وعذاب النار {بِمَا كَانُوا يَمْكُرُونَ} في الدنيا).
وقال ابن كثير: (هذا وعيد شديد من الله وتهديد أكيدٌ، لمن تكبر عن اتباع رُسله والانقياد لهم فيما جاؤوا به، فإنه سيصيبه يوم القيامة بين يدي الله {صَغَارٌ} وهو الذلة الدائمة، كما أنهم استكبروا أعقبهم ذلك ذُلًا يوم القيامة لما استكبروا في الدنيا، كما قال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ} [غافر: 60]، أي: صاغرين حقيرين. وقوله تعالى: {وَعَذَابٌ شَدِيدٌ بِمَا كَانُوا يَمْكُرُونَ}، لما كان المكر غالبًا إنما يكون خَفِيًّا، وهو التَلَطُفُ في التحيُّل والخديعة، قُوبلوا بالعذاب الشديد جزاء وِفاقًا، {وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا} [الكهف: 49]، كما قال تعالى: {يَوْمَ تُبْلَى السَّرَائِرُ} [الطارق: 9]، أي: تظهر المستترات والمكنونات والضمائر).
قال: (وجاء في الصحيحين، عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: "يُنْصبُ لكل غادر لواءٌ عند اسْتِهِ يوم القيامة، فيقال: هذه غدرة فلان بن فلان" (?). والحكمةُ في هذا أنه لما كان الغَدْرُ خفيًا لا يَطَّلِعُ عليه الناسُ، فيوم القيامة يصير عَلَمًا منشورًا على صاحبه بما فعَل).
قلت: وقد حفلت السنة الصحيحة بوصف ألوان ذلك الصغار الذي سيصيب المجرمين والمتكبرين يوم القيامة.
الحديث الأول: أخرج الإمام أحمد في المسند، والترمذي في السنن، بسند حسن عن عبد الله بن عمرو، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: [يُحشر المتكبرون يوم القيامة أمثالَ الذر في صور الرجال، يغشاهم الذل من كل مكان، يساقون إلى سجن في جهنم يسمى