وقوله: {وَمَا يَمْكُرُونَ إِلَّا بِأَنْفُسِهِمْ وَمَا يَشْعُرُونَ}.
تسلية من الله تعالى لنبيه - صلى الله عليه وسلم - عما يلقى من تكذيب قومه وعنادهم. أي: إن هؤلاء يحفرون لأنفسهم ليقعوا في حياض المهالك، ولن يعود وبال مكرهم إلا على أنفسهم. {وَمَا يَشْعُرُونَ}: قال ابن جرير: (يقول: لا يدرون ما قد أعدّ الله لهم من أليم عذابه، فهم في غيِّهم وَعُتُوِّهِم على الله يتمادَوْن).
وفي التنزيل:
1 - قال تعالى: {وَلَيَحْمِلُنَّ أَثْقَالَهُمْ وَأَثْقَالًا مَعَ أَثْقَالِهِمْ. . .} [العنكبوت: 13].
2 - وقال تعالى: {وَمِنْ أَوْزَارِ الَّذِينَ يُضِلُّونَهُمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ أَلَا سَاءَ مَا يَزِرُونَ} [النحل: 25].
وقوله: {وَإِذَا جَاءَتْهُمْ آيَةٌ قَالُوا لَنْ نُؤْمِنَ حَتَّى نُؤْتَى مِثْلَ مَا أُوتِيَ رُسُلُ اللَّهِ}.
قال القرطبي: (بيّن شيئًا آخر من جهلهم، وهو أنهم قالوا لن نؤمن حتى نكون أنبياء، فنؤتى مثل ما أوتي موسى وعيسى من الآيات، ونظيره: {بَلْ يُرِيدُ كُلُّ امْرِئٍ مِنْهُمْ أَنْ يُؤْتَى صُحُفًا مُنَشَّرَةً} [المدثر: 52]. والكناية في "جاءتهم" ترجع إلى الأكابر الذين جرى ذكرهم. قال الوليد بن المغيرة: لو كانت النبوة حقًا لكنت أولى بها منك، لأني أكبر منك سنًا، وأكثر منك مالًا. وقال أبو جهل: والله لا نرضى به ولا نتبعه أبدًا، إلا أن يأتينا وَحْيٌ كما يأتيه، فنزلت الآية).
فأجابهم سبحانه: {اللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ}.
قال القاسمي: (كلام مستأنف للإنكار عليهم، وأن لا يصطفى للنبوة إلا من علم أنه يصلح لها، فيليق للاستشراق بأنوار علمه، والأمانة على مكنون سره، مما لو انكشف لغيره انكشافه له، لفاضت له نفسه، أو ذهبت بعقله جلالته وعظمته، فهو أعلم بالمكان الذي يضعها فيه منهم).
قلت: وقد حفلت السنة الصحيحة بآفاق هذا الاصطفاء من الله للنبوة وحمل رسالته، في أحاديث:
الحديث الأول: أخرج الإمام مسلم في صحيحه، وأحمد في مسنده عن واثلةَ بن الأسقع - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال:
[إن الله اصطفى من ولد إبراهيم إسماعيل، واصطفى من بني إسماعيل بني كنانة،