وقوله: {أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعًا}.
أي: أو يخلطكم فرقًا ويجعلكم ملتبسين شيعًا متناحرين متخالفين. وفيه أقوال متقاربة:
1 - قال ابن عباس: ({أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعًا}: الأهواء والاختلاف).
2 - قال مجاهد: (الأهواء المتفرقة). قال: (ما كان منكم من الفتن والاختلاف).
3 - قال السدي: (يفرق بينكم). وقال ابن زيد: (الذي فيه الناس اليوم من الاختلاف والأهواء، وسفك دماء بعضهم بعضًا).
وقوله: {وَيُذِيقَ بَعْضَكُمْ بَأْسَ بَعْضٍ}.
قال ابن عباس: (يسلط بعضكم على بعض بالقتل والعذاب).
وقال السدي: (بالسيوف). وقال مجاهد: (عذاب هذه الأمة أهل الإقرار، بالسيف: {أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعًا وَيُذِيقَ بَعْضَكُمْ بَأْسَ بَعْضٍ}، وعذاب أهل التكذيب، الصيحة والزلزلة). وقال نوف البكالي: ({وَيُذِيقَ بَعْضَكُمْ بَأْسَ بَعْضٍ}: هي والله الرجال في أيديهم الحراب، يطعنون في خواصركم).
قلت: وقد حفلت السنة الصحيحة بآفاق هذا المعنى، في أحاديث:
الحديث الأول: أخرج الإمام مسلم في صحيحه، عن عامر بن سعدٍ عن أبيه، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أقبل ذاتَ يوم مِنَ العالية، حتى إذا مَرَّ بمسجد بني مُعاويةَ، دخَلَ فركع فيه ركعتين، وصلينا معه، ودعا ربَّهُ طويلًا، ثم انصرف إلينا، فقال - صلى الله عليه وسلم -: [سألت ربي ثلاثًا، فأعطاني اثنتين ومنعني واحدة، سألتُ ربي أَنْ لا يُهْلِكَ أمتي بالسنة فأعطانيها، وسألتُه أن لا يُهْلِكَ أمتي بالغَرَق فأعطانيها، وسألته أنْ لا يَجْعَلَ بأسَهُمْ بينهم فَمَنَعَنِيها] (?).
الحديث الثاني: أخرج الإمام أحمد في المسند بسند جيد عن جابر بن عَتِيك أنه قال: [جاءنا عبد الله بن عُمَر في بني معاوية -قرية من قُرى الأنصار- فقال لي: هل تَدْرِي أين صَلّى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في مسجدكم هذا؟ فقلت: نعم. فأشرتُ إلى ناحيةٍ منه، فقال: هل تدري ما الثلاثُ التي دعا بهنّ فيه؟ فقلت: نعم. فقال: فَأخبرني بهنَّ،