الحديث الثالث: أخرج البخاري ومسلم من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه - في قصة الرجل الذي قتل تسعة وتسعين نفسًا - وفيه: قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: [فانطلق حتى إذا نصف الطريق أتاه ملك الموت، فاختصمت فيه ملائكة الرحمة وملائكة العذاب. فقالت ملائكة الرحمة: جاء تائبًا مقبلًا بقلبه إلى الله تعالى. وقالت ملائكة العذاب: إنه لم يعمل خيرًا قط، فأتاهم ملك في صورة آدمي فجعلوه بينهم - أي: حكمًا - فقال: قيسوا ما بين الأرضين فإلى أيتهما كان أدنى فهو له. فقاسوا فوجدوه أدنى إلى الأرض التي أراد فقبضته ملائكة الرحمة] (?).
وقوله: {وَهُمْ لَا يُفَرِّطُونَ}.
قال ابن عباس: (لا يضيّعون).
وقوله تعالى: {ثُمَّ رُدُّوا إِلَى اللَّهِ مَوْلَاهُمُ الْحَقِّ أَلَا لَهُ الْحُكْمُ وَهُوَ أَسْرَعُ الْحَاسِبِينَ}.
قال ابن جرير: (ثم ردت الملائكة التي توفَّوهم فقبضوا نفوسهم وأرواحهم، إلى الله سيدهم الحق، {أَلَا لَهُ الْحُكْمُ}، يقول: ألا له الحكم والقضاء دون من سواه من جميع خلقه، {وَهُوَ أَسْرَعُ الْحَاسِبِينَ}، يقول: وهو أسرع من حسب عددكم وأعمالكم وآجالكم وغير ذلك من أموركم، أيها الناس، وأحصاها، وعرف مقاديرها ومبالغها).
وقال القاسمي: ({أَلَا لَهُ الْحُكْمُ} يومئذ لا حكم فيه لغيره، {وَهُوَ أَسْرَعُ الْحَاسِبِينَ} يحاسب الخلائق في أسرع زمان).
قلت: والله سبحانه من أسمائه الحكم، وهو بمعنى الحاكم، وحقيقته: الذي سُلِّم له الحكم وَرُدَّ إليه. كما قال تعالى في سورة الأنعام: {إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ يَقُصُّ الْحَقَّ وَهُوَ خَيْرُ الْفَاصِلِينَ}.
وكقوله في سورة المائدة: {أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْمًا لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ}.