وقوله: {فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ}.
أي: لما تمادوا بالغي والغرور والعجب والاستكبار فتحنا عليهم أبواب الملذات والرزق من كل ما يختارون استدراجًا لهم وعلامة على اقتراب النهاية.
قال ابن عباس: ({فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ}، يعني: تركوا ما ذكروا به). وقال ابن جريج: (ما دعاهم الله إليه ورسله، أبوْه وردّوه عليهم).
وعن مجاهد: ({فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ} قال: رخاء الدنيا ويُسْرها، على القرون الأولى). وقال قتادة: (يعني الرخاء وسعة الرزق).
وقوله: {حَتَّى إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً فَإِذَا هُمْ مُبْلِسُونَ}.
قال السدي: (أخذهم العذاب بغتة، فإذا هم مهلكون، متغيِّر حالهم).
وقال مجاهد: ({فَإِذَا هُمْ مُبْلِسُونَ}، قال: الاكتئاب).
وقال ابن زيد: (المبلس الذي قد نزل به الشر الذي لا يدفعه. والمبلس أشد من المُسْتكين، وقرأ: {فَمَا اسْتَكَانُوا لِرَبِّهِمْ وَمَا يَتَضَرَّعُونَ} [المؤمنون: 76]، وكان أول مرة فيه معاتبة وبقية. وقرأ قول الله: {فَأَخَذْنَاهُمْ بِالْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ لَعَلَّهُمْ يَتَضَرَّعُونَ}، {فَلَوْلَا إِذْ جَاءَهُمْ بَأْسُنَا تَضَرَّعُوا}، حتى بلغ: {وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ}، ثم جاء أمرٌ ليس فيه بقية. وقرأ: {حَتَّى إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً فَإِذَا هُمْ مُبْلِسُونَ}، فجاء أمر ليس فيه بقية. وكان الأول، لو أنهم تضرعوا كُشف عنهم).
قلت: والإبلاس في كلام العرب الانكسار والحزن. يقال: أبلس فلان إذا سكت غمًّا. قال الرازي: ("أبلس" من رحمة الله أي: يئس. ومنه سمي "إبليس").
أخرج الإمام أحمد في المسند، وابن جرير في التفسير، بسند قوي، عن عقبة بن عامر مرفوعًا: [إذا رأيت الله يعطي العبد من الدنيا على معاصيه ما يحب فإنما هو استدراج، ثم تلا: {فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً فَإِذَا هُمْ مُبْلِسُونَ}] (?).
وقوله تعالى: {فَقُطِعَ دَابِرُ الْقَوْمِ الَّذِينَ ظَلَمُوا وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالمِينَ}.
قال السدي: (قطع أصل الذين ظلموا). وقال ابن زيد: (استؤصلوا).