يَسْتَجِيبُ الَّذِينَ يَسْمَعُونَ وَالْمَوْتَى يَبْعَثُهُمُ اللَّهُ ثُمَّ إِلَيْهِ يُرْجَعُونَ (36)}.

في هذه الآيات: تَسْلِيَةُ الله سبحانه نَبِيّهُ -صلى الله عليه وسلم- مما يلقى هن تكذيب قومه، فإنهم يا محمد لا يكذبونك فيما آتيتهم به من الوحي، بل يعلمون صحته، وإنما يجحدون حقيقته قولًا فلا يؤمنون به. فاصبر على ذلك العناد، فقد كذبت رسل من قبلك أرسلتهم إلى أممهم، فنالوهم بمكروه، فصبروا حتى حكم الله بينه وبينهم وأنزل نصره، فتأس بإخوتك الرسل ممن مضى قبلك. وإن كان عظم عليك إعراضهم فشق عليك ولم تصبر لمكروه ما ينالك منهم فإن استطعت أن تتخذ سربًا في الأرض أو درجًا في السماء فتأتيهم بعلامة وبرهان على صحة قولك أفضل مما أتيناهم فافعل، فإن الله تعالى لو شاء لجمعهم على محجة الحق ملة واحدة فتنبه، فإنما يستجيب لدعائك من فتح الله عليه، ونوّر قلبه بالحياة، وسمعه بالحق، وأما الأموات المبطلون فلا سبيل إليهم فقد طبع الله على قلوبهم وأصم آذانهم لكبرهم وتعاليهم على الحق، ثم يبعثهم يوم القيامة للحساب والجزاء ونكال العقاب.

فقوله تعالى: {قَدْ نَعْلَمُ إِنَّهُ لَيَحْزُنُكَ الَّذِي يَقُولُونَ فَإِنَّهُمْ لَا يُكَذِّبُونَكَ وَلَكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآيَاتِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ}.

قال قتادة: (يعلمون أنك رسول الله ويجحدون). وقال سعيد بن جبير: (ليس يكذبون محمدًا، ولكنهم بآيات الله يجحدون).

وفي التنزيل: {فَلَا تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَرَاتٍ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِمَا يَصْنَعُونَ} [فاطر: 8].

وكذلك قوله جل ذكره: {فَلَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَفْسَكَ عَلَى آثَارِهِمْ إِنْ لَمْ يُؤْمِنُوا بِهَذَا الْحَدِيثِ أَسَفًا} [الكهف: 6].

وقوله جلت عظمته: {لَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَفْسَكَ أَلَّا يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ} [الإسراء: 3].

يروي ابن جرير من طريق السدي قال: (التقى الأخنس وأبو جهل، فخلا الأخنس بأبي جهل فقال: يا أبا الحكم، أخبرني عن محمد: أصادق هو أم كاذب؟ فإنه ليس ها هنا من قريش غيري وغيرُك يسمع كلامنا. فقال أبو جهل: ويحكَ؟ والله إن محمدًا لصادق، وما كَذَب محمدٌ قَطٌّ، ولكن إذا ذَهَبت بنو قُصَيّ باللواء والسقاية والحِجابة والنُّبوة، فماذا يكون لسائر قريش؟ ).

وأخرج البيهقي في "الدلائل" نحوه من طريق محمد بن إسحاق: (قال الأخنس بن

طور بواسطة نورين ميديا © 2015