ومن الأمثلةِ التي وقعَ فيها الخلافُ بين هؤلاءِ في طبقاتِهم الثَّلاثِ، اختلافُهم في لفظ «عسعس» في قوله تعالى: {وَاللَّيْلِ إِذَا عَسْعَسَ} [التكوير: 17]، فقد ورد عنهم في ذلك معنيان:
الأول: والليلِ إذا أدبر، وبه قال عليُ بنُ أبي طالبٍ (ت:40)، وابنُ عباسٍ (ت:68)، والضَّحَّاكُ بنُ مزاحمٍ (ت:105)، وقتادةُ (ت:117)، وابنُ زيدٍ (ت:182).
الثاني: والليل إذا أقبل، وبه قال مجاهدٌ (ت:104)، والحسنُ البصريُّ (ت:110)، وعطيةُ العوفيُّ (ت:111) (?)، كما رواه عنهم الطبريُّ (?).
والأمثلةُ ـ من هذا النَّوعِ ـ التي تدلُّ على اعتمادِ السَّلفِ على اللُّغةِ في بيانِ القرآنِ كثيرةٌ جداً، والمقصودُ هاهنا ذِكْرُ المثالِ.
كانَ البيانُ اللَّفظيُّ في تفسيرِ السَّلفِ واضحاً، وهو أحدُ طرقِ البيانِ عن التَّفسيرِ، كما سيأتي، وهذا النَّوعُ هو الأصلُ في البيانِ عن المعاني، والمرادُ به تفسيرُ اللَّفظِ بما يطابقهُ من لغةِ العربِ، مع ذكرِ الشَّواهدِ إن وُجِدَتْ، وهذا ما يمكنُ أن يُصطلَح عليه بالتَّفسير اللَّفظيِّ.
هذا، وقد برزَ عندَ السَّلفِ الاهتمامُ بالمدلولِ السِّياقيِّ للَّفظِ، وهذا موجودٌ عندهم في كتبِ الوجوهِ والنَّظائرِ.
وسيكونُ الحديثُ عن هذينِ النَّوعينِ مفصَّلاً ـ إنْ شاءَ اللهُ تعالى ـ على النَّحوِ الآتي:
الأسلوب الأول: أسلوبُ التَّفسيرِ اللَّفظيِّ.
الأسلوب الثاني: أسلوبُ الوجوه والنَّظائر.