العربيَّةِ في الخطابِ، والأمرُ ليسَ كما ذهبَ إليه (?)، بل قد يتعدَّى الأمرُ إلى الاستشهادِ به في المحسِّناتِ اللَّفظيَّةِ المذكورةِ في علمِ البديعِ، وهذا فيه مزلَّةٌ وقولٌ بالرَّأي على كتابِ اللهِ.
وقد انتقدَ الشَّاطبيُّ (ت:790) هذا المسلكَ، فقال: «... وإنما المنكرُ الخروجُ في ذلك إلى حدِّ الإفراطِ الذي يُشكُّ في كونِه مرادَ المتكلِّمِ، أو يُظَنُّ أنَّه غيرُ مرادٍ، أو يُقطعُ به فيه؛ لأنَّ العربَ لم يُفهمْ منها قصدُ مثلِه في كلامِها، ولم يشتغل بالتَّفقُّه فيها سلفُ هذه الأمَّةِ، فما يُؤمننا من سؤالِ اللهِ تعالى لنا يومَ القيامةِ: من أينَ فهمتمْ عنِّي أنِّي قصدتُ التَّجنيسَ الفلانيَّ بما أنزلتُ من قولي: {وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا} [الكهف: 104]، أو قولي: {إِنِّي لِعَمَلِكُمْ مِنَ الْقَالِينَ} [الشعراء: 168]، فإنَّ في دعوى مثل هذا على القرآنِ، وأنَّه مقصودٌ للمتكلِّمِ به خطراً، بل هو راجعٌ إلى معنى قوله تعالى: {إِذْ تَلَقَّوْنَهُ بِأَلْسِنَتِكُمْ وَتَقُولُونَ بِأَفْوَاهِكُمْ مَا لَيْسَ لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّناً وَهُوَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيمٌ} [النور: 15]، وإلى أنَّه قولٌ في كتابِ اللهِ بالرَّأي.
وذلكَ بخلافِ الكنايةِ في قوله تعالى: {أَوْ لاَمَسْتُمُ النِّسَاءَ} [النساء: 43، المائدة: 6]، وقوله: {كَانَا يَاكُلاَنِ الطَّعَامَ} [المائدة: 75]، وما أشبَه ذلك، فإنَّه شائعٌ في كلامِ العربِ، مفهومٌ في مساقِ الكلامِ، معلومٌ اعتبارُه عندَ أهلِ اللَّسانِ ضرورةً. والتَّجنيسُ ونحوهُ ليسَ كذلكَ، وفرقُ ما بينهما خدمةُ المعنى المرادِ وعدَمُه، إذ ليسَ في التَّجنيسِ ذلك.
والشَّاهدُ على ذلكَ ندورهُ عن العربِ الأجلاف البوَّالينَ على أعقابِهم ـ كما يقولُ أبو عبيدةَ ـ (?)، ومن كان نحوَهم، وشهرةُ الكنايةِ وغيرِها، ولا تكادُ