وقبلَ أنْ أختمَ هذا الفصلَ، أنبِّه على أمورٍ:

الأول: أنه قد تتفقُ الصيغةُ، ويختلفُ الأصلُ اللفظي المأخوذةُ منه، فما كانَ الأصلُ فيه مختلفاً، جعلتُ سببَ الاختلافِ فيه: النظر إلى أصل الاشتقاقِ، وما كان غير ذلك، جعلته من المشتركِ اللغويِّ، مثلُ لفظِ «مستمر»، هل هو من مرَّ يمرُّ، أو أمرَّ الحبلُ: إذا اشتدَّ وقوي.

فهما، وإن كانا اتفقا في صيغةِ المصدرِ إلاَّ أنَّ معناهما مختلفانِ، لذا قد يُحكمُ على التفسيرِ بهما أنهما من المشتركِ اللَّفظيِّ باعتبارِ اشتراكِ هذه الصيغةِ في الدلالةِ على هذا المعنى، ولكن إذا اعتبرتَ أصلِ اللفظِ جعلتَ الاختلافَ بسببِ النظرِ إلى أصلِ اللفظِ، وهو الأصحُّ، واللهُ أعلمُ.

أمَّا إذا اتفقت الصيغة والأصلُ كلفظِ «نجم»، فإنه من المشترك اللَّفظيِّ، ولا يدخلُه احتمالُ الاختلافُ بسبب أصل اللفظِ واشتقاقِه، لأنَّ أصله واحدٌ، والله أعلمُ.

الثاني: الفرقُ بين المعنى المشهورِ وضدِّه، والمعنى القريبِ وضدِّه.

لما جمعت الأمثلةَ من هذا البابِ وقسمتُها، جعلتُ كلَّ ما وقعَ عليه اعتراضٌ من العلماءِ في القسمِ المقابلِ للمشهورِ، أمَّا إذا لم يقعْ منهم اعتراضٌ على المعنى المذكورِ فإني جعلتُه من القسمِ المقابلِ للمعنى القريبِ.

الثالث: أنَّه يدخلُ في هذا البابِ ما كان الخلافُ فيه بسببِ حملِ اللَّفظِ على الحقيقةِ والمجازِ، عند من يقولُ به، لذا حملَ بعضُهم بعضَ هذه الأمثلةِ المذكورةِ على المجازِ، كالخلافِ في قولِه تعالى: {وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ} [المدثر: 4]، قال ابنُ العَرَبِيِّ (ت:543): «ليس يمتنعُ أنْ تُحْمَلَ الآيةُ على عمومِ المرادِ فيها بالحقيقةِ والمجازِ ...» (?).

وعوداً على بدءِ فإنَّ هذا الاختلافَ الكائنَ بسببَ اللُّغةِ كانَ له أثرٌ في تَعَدُّدِ المحتملاتِ التَّفسيريَّةِ، وكانتْ هذه المحتملاتُ متراجحةً بين القبولِ وعدمِه، وليس هاهنا محلُّ بحثِ هذه المسألةِ، وإنما المرادُ إبرازُ الأثرِ الذي أفرزَهُ هذا الاحتمالُ اللُّغويُّ في التَّفسيرِ، واللهُ الموفِّقُ.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015