والمعنى الثاني أبعدُ عن الذِّهنِ مِنَ المعنى الأوَّلِ، غيرَ أنَّه معروفٌ في اللُّغةِ، قالَ ابنُ قُتَيْبَةَ (ت:276): «قالَ ابنُ عَبَّاسٍ ـ في رواية أبي صالحٍ عنه ـ: الحَطَبُ: النَّمِيمَةُ، وكانتْ تُوَرِّشُ (?) بين النَّاسِ.
ومنْ هذا قيل: فلانٌ يَحْطِبُ عَلَيَّ: إذا أغرى به، شَبَّهُوا النَّمِيمَةَ بالحَطَبِ، والعَدَاوَةَ والشَّحْنَاءِ بالنَّارِ؛ لأنَّهما يقعانِ بالنَّمِيمَةِ، كما تُلْهِبُ النَّارُ الحَطَبَ، ويقالُ: نارُ الحِقْدِ لا تَخْبُو. فاستعاروا الحَطَبَ في موضعِ النَّمِيمَةِ. وقالَ الشَّاعِر (?) ـ وذَكَرَ امْرَأةً ـ:
مِنَ البِيضِ لَمْ تَصْطَدْ عَلَى حَبْلِ سَوْأَةً ... وَلَمْ تَمْشِ بَيْنَ الْحَيِّ بالحَظْرِ الرَّطْبِ
أي: لم تُوجَدَ على أمرٍ قبيحٍ، ولم تَمْشِ بالنَّمائمِ والكذبِ.
والحَظْرُ: الشَّجَرُ ذو الشَّوكِ.
وقالَ آخرُ (?):
فَلَسْنَا كَمَنْ تُزْجَى المَقَالَةُ شَطْرَهُ بِقَرْفِ العَضَاةِ الرِّطْبِ والعَبَلِ اليَبْسِ» (?).
وبهذا يظهرُ أنَّ المعنيينِ محتملانِ في الآيةِ، غيرَ أنَّ أحدَهما أسبقُ إلى الذِّهنِ منَ الثاني. وهكذا كلُّ ما شاكلَ هذه الأمثلةَ (?).