وأظُنُّ أنه لو كتبَ فيه أحدُ اللُّغويِّين الذين عاصروا أتباع التَّابعين؛ لنُقِلَ عنه في معاجمِ اللُّغةِ، كما نقلوا عنهم ما دونوه في غريبِ القرآنِ ومعانيهِ وغريبِ الحديثِ، وقد يكون إهمالُ ما كتبَه أتباعُ التَّابعين في هذا العلمِ ناتجاً عن غفلةِ اللُّغويِّين عمَّا كتبَهُ مفسرو السَّلفِ في التَّفسيرِ وعلومِه، أو يكونُون لا يعتدُّونَ في نقل اللُّغة بما ورد عن السَّلف في التَّفسير، وفي كلا الاحتمالين قصورٌ من أهلِ اللُّغةِ في الاستفادةِ من تفاسيرِ السَّلفِ. والله الموفق.
* يلاحظ أن كتبَ الوجوهِ والنَّظائرِ لا تعتمد في معاني الوجوه على شواهدَ عربيَّةٍ من شعرٍ أو نثرٍ، بل يعمدُ أصحابُها إلى النصِّ مباشرةً لاستنباطِ المعنى من سياقِه. ولذا كَثُرَتِ الوجوهُ التي يذكرونها؛ لأنَّهم يريدونَ تفسيرَ معنى اللَّفظةِ في هذا السِّياقِ الذي يفسِّرونه، دونَ النَّظرِ منهم إلى الأصلِ اللُّغويِّ للَّفظةِ.
وقدَ ظهرَ عند ابن قتيبةَ في حديثه عن (باب اللَّفظِ الواحدِ للمعاني المختلفةِ) النظرُ إلى أصلِ معنى اللفظِ، وقد ذكر أربعةً وأربعينَ لفظاً، وذكرَ الأصلَ اللُّغويَّ والشَّواهدَ لأغلبِها، ومن الأمثلةِ التي ذكرها:
قال: «السَّببُ أصلُه الحبلُ، ثُمَّ قيلَ لكلِّ شيءٍ وَصَلْتَ به إلى موضعٍ أو حاجةٍ تريدها: سببٌ. تقولُ: فلانٌ سببي إليكَ؛ أي: وصلني إليكَ. وما بيني وبينك سببٌ؛ أي: آصِرَة رَحِمٍ، أو عاطفةُ مودَّةٍ، ومنه قيلَ للطريقِ سببٌ؛ لأنكَ بسلوكِه تصلُ إلى الموضِع الذي تريدُه، قال عزّ وجل: {فَأَتْبَعَ سَبَبًا} [الكهف: 85]؛ أي: طريقاً.
وأسبابُ السماءِ: أبوابها؛ لأنَّ الوصولَ إلى السماءِ يكونُ بدخولها، قال اللهُ حكايةً عن فرعونَ: {لَعَلِّي أَبْلُغُ الأَسْبَابَ} {أَسْبَابَ السَّمَاوَاتِ} [غافر: 36، 37]، وقال زهير (?):