والمستعيذ بالله اللّاجئ إلى حماه، عن إيمان وثيق، وعن معرفة تامة، بما لله سبحانه وتعالى، من علم، وحكمة، وقدرة، وسلطان- يجد نفسه دائما فى هذا الحمى العزيز الذي لا ينال، وتحت ظل هذا السلطان القوى الذي لا يغلب، وأن هذه الشرور التي استعاذ بربه منها، قد انصرفت عنه جملة، أو خفّت وطأتها، وذلك حين يعيد النظر فى هذه الشرور على ضوء هذه المشاعر الجديدة التي لقى بها ربه، وفوض إليه فهيا أمره- فيرى كثيرا من هذه الشرور أوهاما وتخيلات، كما يرى كثير منها أقرب إلى الخير منها إلى الشر، ثم ما كان منها شرّا خالصا- فى تقديره- يصبح فى ظل التفويض لله، والتسليم لحكمه، مستساغ الطعم، خفيف الحمل، لما يرى من حسن المثوبة عند الله، على ما أصابه، وصبر عليه، محتسبا عند الله أجره (?) ..
قوله تعالى:
«وَمِنْ شَرِّ غاسِقٍ إِذا وَقَبَ» .
فى لآية السابقة كانت الاستعاذة بالله، استعاذة عامة من جميع الشرور التي ترد على الإنسان من المخلوقات كلها..
وفى قوله تعالى: «وَمِنْ شَرِّ غاسِقٍ إِذا وَقَبَ» - وما بعدها من الآيات إلى آخر السورة، استعاذة من شرور بعض المخلوقات، البادي شرها..
فالليل حين يهجم على الكائنات، ويحتوى الإنسان، يثير فيه كثيرا من المخاوف، التي تطل عليه من وراء هذا العالم المجهول، المحجب بهذا الستار